لم تعد حكومة الوفاق الوطني التي تشكلت عام 2011م بحاجة إلى إثبات عجزها عن إدارة عملية التغيير والتأسيس لدولة النظام والقانون بعد أن أصبحت صورة هذه الحكومة أمام الداخل والخارج نموذجا للتخبط والضعف وسوء الإدارة.
كما لم تعد الأجهزة الحكومية المختلفة بحاجة إلى الاعتراف بإخفاقها في العمل كمنظومة واحدة لتسيير أمور البلاد وإخراجها من حالة الفوضى التي تعيشها منذ ثلاث سنوات بعد أن برهنت مجريات الأحداث بأن هذه الأجهزة تتحكم بها الأهواء والأمزجة في ظل غياب الرؤية أو غياب المشروع او غياب المنهج أو غياب البصيرة.
كما لم يعد بوسع السلطة الانتقالية بكامل مصفوفتها تبرير فشلها المستمر في معالجة القضايا التي تهم المواطن عبر اتهام هذا الطرف أو ذاك وتحميله مسؤولية الإحباط الذي يسيطر على الغالبية العظمى من المواطنين بعد أن أسقطت تلك السلطة هذا المبرر بعدم تطبيقها القوانين والأنظمة على كل من يثبت تورطه في أية ممارسات أو أحداث تخل بالأمن والاستقرار أو بالسلم الاجتماعي أو بالوضع الاقتصادي والأمني والسياسي فضلا عن أن السلطة الانتقالية لم تقدم حتى الآن أي مؤشر على أنها جادة في إعادة ترتيب البيت اليمني من الداخل وانها حريصة على التوجه نحو التغيير الحقيقي وبناء دولة يمنية حديثة أو على الأقل وضع اللبنات الكفيلة بالتحول التدريجي لذلك عن طريق الانتقال بمخرجات الحوار من الجانب النظري إلى واقع التطبيق على الرغم من أن قطاعا واسعا من اليمنيين قد صدقوا من أن العالم صار يحسدهم على تلك المخرجات قبل أن يكتشف الكثير منهم أن الآخرين هم من يشعرون بالأسى لحال اليمنيين لمجرد انتسابهم لبلد تتنازعه مليشيات تتحرك بحسب أهوائها ودوافعها الأيديولوجية أو المذهبية أو الجهوية أو مصالح الشخصيات التي تتحكم بها.
اشك من أن السلطة الانتقالية في اليمن تواجه الكثير من التحديات سيما ما يتعلق منها بالأمن وفوضى السلاح وانتشاره في الأطر غير النظامية, ناهيك عن الجماعات المسلحة التي صارت تشكل إحدى العقبات أمام قيام دولة النظام والقانون وكذا الهزات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتي زاد في تعقيدها التركيبة القبلية والمذهبية للمجتمع وهي التي تعايشت في الماضي بعيدا عن نزعات التعصب الضيقة إلا أن هذه التركيبة هي من تتعرض اليوم لحالة من التفكك باستشراء النعرات الطائفية والمناطقية وقيام البعض باستغلال هذه الحالة لأهداف سياسية مع أن التعددية المذهبية والثقافية قد ظلت في اليمن لمئات السنين اختيارا يجمع ولا يفرق ولم تكن ذات يوم دافعا إلى العنف والاحتراب والصراع ومثل هذا التحدي خصوصا كان يقتضي أن يواجه من السلطة الحاكمة بجدية عالية لكونه الذي يتصل بالحفاظ على وحدة المجتمع وتماسكه إلا أن عدم تقدير السلطة للمخاطر التي قد تنجم عن إذكاء النعرات الطائفية والمذهبية والمناطقية قد جعل من الواقع اليمني في الوقت الراهن أشبه بما كون بعلبة ثقاب عندما يحترق عود منها تحترق العلبة برمتها وتتحول رماداً.
قد يتساءل البعض عن سبب فشل السلطة الانتقالية في اليمن على الرغم مما توفر لها من الدعم الإقليمي والدولي وشخصيا لا أجد سببا مباشرا لمثل هذا الفشل سوى وقوع السلطة الانتقالية في نفس الخطأ الذي وقع في الكثير من الحكام السابقين حينما تصور بأن المجتمع هو جزء من الدولة وليس الدولة جزء من المجتمع والفارق كبير بين الحالتين فاعتبار المجتمع جزءاً من الدولة يقود إلى تبعية المجتمع للدولة من حيث النهج والأسلوب بل هو المدخل إلى تكريس الإحساس بأن الدولة أكبر من المجتمع مع أن الحقيقة أن المجتمع هو من أوجد الدولة وليس العكس ولذلك فإن الذي يحكم اليمن الآن هو الفراغ الفكري والتناحر السياسي والتفرق المناطقي والحقد الحزبي إلى درجة لم نر فيها حكومة متوافقة أو متآلفة على حب اليمن مع أن الكل يدعو وصلاً باليمن وكأننا في جمهورية افلاطون أو ما شابه ذلك ولكن عندما نسمع ونشاهد ما يجري حولنا من عظائم الأمور نعي تماما واقع الحال الذي نعيشه.
بالتأكيد ما يعتمل اليوم على أرض الواقع كان متوقعا أن لم يأت في سياقه الطبيعي وهو نتيجة الأخطاء التي وقعت فيها السلطة الانتقالية والتي تعاملت مع الكثير من الملفات الساخنة بأسلوب يوحي بأن ما تحمله هذه الملفات من أعباء يعود بالأساس إلى ضعف ثقافة المجتمع وليس عدم استيعاب السلطة لمهام المرحلة حتى أننا لم نعد نعرف إلى أين تتجه بنا هذه السلطة؟ والى أين تقودنا تلك الآلة الضخمة التي نسميها آلة الدولة من وزارات ومؤسسات وأجهزة امن وجيش بل كدنا جميعا لا نعلم أية أغراض تؤديها هذه الآلة وأية فلسفة حكم أو إدارة تعمل في ضوئها وأية استراتيجية تدير بها البلاد؟ ولنأخذ واحدة من المشكلات القائمة حاليا لتقول لنا الحكومة كيف ستحلها وماهي المدة الزمنية التي ستستغرقها لذلك فإذا ما كانت الحكومة الحالية غير قادرة على حال المشكلات القائمة فكيف بإمكانها التخطيط للمستقبل؟ وذلك هو السؤال الذي سيبقى دون إجابة.
اخبار اليوم