مازال من المبكر الحديث عن المسافات التي تفصل بين صنعاء اليمنية وجنيف السويسرية التي ستستضيف في الرابع عشر من يونيو الجاري المفاوضات التي تقودها الامم المتحدة بين فرقاء الازمة اليمنية او حتى التنبؤ بنتائج هذه المفاوضات وفرص نجاحها من فشلها لأسباب لا تصعب معرفتها على المطلعين بتعقيدات الازمة التي تعصف بهذا البلد والذي تحول الى محور من محاور الصراع في المنطقة وساحة تدور حولها الكثير من السياسات التي تحاول التأثير بثقلها على هذا الصراع وحرف نتائجه صوبها مستغلة حدة الخلافات الداخلية التي تنهش بنيته السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية وتعبث ايضا بوحدته الوطنية من اجل تمرير اهدافها الخفية منها والمكشوفة والتي من الواضح انها لا تستهدف اليمن وحسب وإنما كل الاقطار العربية التي تنهك شعوبها اليوم التوترات والحروب والفتن والصراعات الطائفية والمذهبية والفئوية والجهوية والمناطقية.
لذلك علينا ان لا نبالغ كثيرا في التفاؤل بدعوة الامم المتحدة للأطراف المتصارعة في اليمن الى شد الرحال والتوجه نحو جنيف للجلوس على مائدة الحوار التي سبقهم اليها اشقاؤهم في سورية وليبيا وعادوا منها بخلافاتهم وانقساماتهم وخيباتهم اذ انهم قد اخفقوا كليا في التوصل الى حل او حتى مجرد افق للتقارب في وجهات النظر حيال الازمتين المتفاقمتين في بلديهما وليس في هذا الطرح ما يدعو الى التشاؤم فلا احد يرغب في استمرار الحرب والاقتتال في اليمن واستمرار المعاناة الانسانية التي يتعرض لها الملايين من اليمنيين ولكن فمن غير الجائز ان نلجأ الى دفن الرؤوس في الرمال في ظل ضبابية المشهد اذ لا احد يعلم حتى اللحظة القضايا التي ستطرح على طاولة التفاوض في جنيف والمرجعيات التي سيحتكم اليها فرقاء الازمة اليمنية في مناقشاتهم وحواراتهم خصوصا وان هؤلاء الفرقاء هم من سيذهبون الى جنيف كفريقين لكل منهما مرجعيته وتصوره ومطالبه التي تختلف عن مطالب الطرف الاخر بل ان كل فريق يؤمن بمنظومة افكاره للحل الذي ينبغي ان تفضي اليه مفاوضات جنيف وهو ما يعكس معه حجم الخلافات والانقسام القائم بين الطرفين اللذين سيجلسان على طاولة التفاوض بمواقفهما المتناقضة حتى النخاع ورؤيتهما المتباعدة وتنافر وجهتيهما فأحد الفريقين مواليا لحكومة الرئيس هادي والآخر يوصف بالمنقلب عليها.
هذه هي الصورة في جوهرها وحقيقتها وليس من المفيد تجنب رؤيتها على هذا النحو فإذا ما افترضنا ان الازمة اليمنية لن تحل إلا سياسيا كما يقول الامين العام للأمم المتحدة بان كي مون فلماذا لم تفصح الامم المتحدة حتى الان عن تصورها لهذا الحل؟ ولماذا تكتفي بترديد كلمات عامة عن حل سياسي تضعه مقابل الاختناق الحاصل الذي يتعمق يوميا في اليمن والذي يدفع فاتورته الباهظة جميع اليمنيين دون استثناء؟ على ان مثل هذا الخطاب العمومي يكشف تماما عن ان الامم المتحدة تعول على صحوة ضمير الفرقاء الذين سيتحاورون تحت رعايتها وأنهم الذين قد يتوصلون في الدقائق الاخيرة الى حلول مقبولة للازمة اليمنية في ما سيبقى دورها مقتصرا على مباركة هذا الاتفاق ومراقبة تنفيذه وهي الية لا يمكن الرهان عليها لكونها التي اثبتت عدم نجاعتها وصوابيتها في جولات المفاوضات المتعددة التي خاضتها الاطراف السورية والليبية برعاية المنظمة الدولية بجنيف خلال الفترات الماضية.
باختصار ينبغي على الامم المتحدة والجهات الاخرى الداعمة للحل السياسي التفاوضي في اليمن ان تأخذ بعين الحسبان ان واقع الصراع في اليمن متعدد الجوانب والمستويات وان مثل هذا الصراع قد اوشك على الوصول الى نقطة تحول جذرية بعد ان اصبحت مواقف الاطراف المتخاصمة اكثر تشددا وتباعدا مما قد يجعل الطريق الى الحل حافلة بالعقبات والمصاعب وهو ما يقتضي من الوسيط الاممي بذل المزيد من الاتصالات والجهود من اجل اقناع كل الاطراف الداخلية والخارجية بأن الانفجار اذا ما حدث في اليمن فإن اخطار الضرر الداخلي والخارجي ستكون متساوية ولذلك فان منع هذا الانفجار فيه مصلحة لكل الاطراف الاقليمية والدولية التي يهمها الحفاظ على امن واستقرار هذا الجزء الحساس من العالم.. ومن دون هذا الجهد فان الحل في هذا البلد سيظل بعيدا.
- صحيفة الرياض