سيد الشعراء امرؤ القيس، هو كغيره من الأعلام والمشاهير، الذين تُروى عنهم، وتنسب إليهم الكثير من الحكايات والمواقف، ومما يروى عن هذا الشاعر العظيم أن والده قد أهمله في صغره ولم يحطه بالرعاية المطلوبة، وعندما جاءه أحد أبناء قبيلته ـ وهو في جلسة أنس وطرب ـ ليخبره أن أباه قد قتل على يد أحد خصومه.. قال امرؤ القيس “ أضاعني صغيراً وحملني دمه كبيراً، اليوم خمر وغداً أمر” واستمر مواصلاً لهوه مع أصدقائه..
لتكن هذه الحكاية صحيحة أو مما يحاك حول أعلام المشاهير، لا يهم، المهم أنها خطرت بذاكرتي، عندما تزايدت حدة النقد والشجب والاستنكار لإجهاز الإعلان الدستوري الصادر عن اللجان الثورية على مجلس النواب، ورفع العقائر تباكياً على شرعيته الدستورية ومرجعيته ونفاذ قوله في ما نختلف فيه.
تذكرت هذه الحكاية وقلت لنفسي: تُرى هل صديقي الشيخ يحيى الراعي وهو يستمع إلى هذه الهالة المحلية والإقليمية والعربية والدولية حول البرلمان اليمني ـ الذي أمسك برئاسته بعد وفاة الشيخ عبدالله الأحمر ـ قد قال باسم البرلمان “أضاعوني صغيراً وحملوني دماءهم كبيراً”؟!
أم استشهد بقول الشاعر« أضاعوني، وأي فتىأضاعوا ..إلخ » أم أنه قد استشهد بالمثل العربي القائل « في الصيف ضيعت اللبن».
كل شيء محتمل، بعد أن أضاعوا برلماننا الموقر المنتخب بحرية وشفافية..
أكثر من مرة؛ أضاعوه من يوم مولده بإخضاعه للمقايضة الحزبية..وإخضاع كتلة الأغلبية لرغبة الكتلة الأقل التي ارتأت أن تكون رئاسة البرلمان من نصيبها وتم لها ذلك وقالوا ( توافق) وأضاعوه أو أكلوه يوم أكل الثور الأبيض واتفقوا على أن أي مادة من مواد الدستور تتعارض مع بند من بنود المبادرة الخليجية، فإنها تعتبر في حكم الملغية أو لا قيمة لها.
فقد قضت المبادرة الخليجية في العام 2011م أن تكون قرارات البرلمان بالتوافق، وإن لم يتم التوافق وحصل الاختلاف فمرده إلى رئيس الجمهورية ليقضي بما يراه!! فهل رأيتم برلماناً يتكون من أحزاب وتيارات لها برامجها ـ منها ما يحكم ومنها ما يعارض ـ يتخذ قراراته بالتوافق؟!
أو هل رأيتم برلماناً تختلف كتله حول موضوع معين، ولا تحتكم لرأي الأغلبية بل إلى شخص واحد لا ثاني له، هو رئيس الجمهورية ؟!! بحجة أنها فترة انتقالية.
وأضاعوه ـ أي البرلمان صاحب الشرعية ـ عندما أكمل عامه الرابع، وهي السنة التي تحتم رفده بالدماء الجديدة وبالإرادة الشعبية وفقاً لماهو في الساحة ـ لا كواليس الأحزاب ـ ولم يتم من ذلك شيء بل جعلوه يقول (رب أوزعني ) ويواصل مهمته في الحياة النيابية بدمائه التي أصابها التخثر أملاً في تجديدها حين يبلغ سن الثامنة، إلا أن الحال ظل كما هو عليه حتى بلغ عامه الثاني عشر وصار من أسنِّ - ولا أقول أكبر- البرلمانات في العالم يعاني من (ضعف وشيبة)..
وأضاعوه يوم صدر التوجيه الرئاسي الانتقالي بأن ليس من حق البرلمان أن يُسائل وزيراً أو يسحب ثقة من وزير أوحكومة.
وأضاعوه يوم انهالت عليه انتقادات وتهكمات بعض وزراء حكومة الوفاق بأنه غير شرعي وغير قانوني البقاء وممارسة المهام البرلمانية المنصوص عليها في الدستور، ولم يعتذر له أحد أو حتى يجبر بخاطره.
مسكين هذا البرلمان كثيراً ما أضاعوه ـ من يوم مولده، حتى يوم إعلان الإجهاز على ما تبقى منه أو في عروقه - واليوم يحملونه دم الشرعية الدستورية والإمساك بعمود خيمة تهاوت وتطايرت أوتادها.
وأخيراً أضاعوه عندما سعوا إلى استبداله بتلك الأضحوكة التي أسموها بالدستور الاتحادي .
هل سمعتم عن برلمان في بلد حر ديمقراطي دستوري تعددي.. إلخ، وتتخذ قراراته بالتوافق، وتُرد خلافاته إلى شخص لا سواه ولا يحق له أن يسائل وزيراً أو يسحب ثقة.. ثم يطالب بأن يكون النجم في الليلة الظلماء التي أدخلونا تحت كواهلها..؟!
شيء من الشعر
سيد البيت قال لنا
ستكونون أنموذجاً
إن سلكتم طريقاً نراه لكم مخرجاً
فتوسله حالنا بالرجاء
أن يراجع تلك الوعود التي حملتها جحافله
للعراق
أن يعير انتباهاً لجرح يقول :
ليته لم يتم العناق
ليتكم تحسنون الطلاق
«من يوميات أيام الوجع 2012»