أضحى الوضع الاقتصادي المتدهور في اليمن سيد الموقف, والهم الأكبر الذي فرض نفسه على تفكير الجميع, فلا يخلو أي تجمع أو لقاء لأي شريحة أو فئة في المجتمع- بما في ذلك الأسر - من الحديث عن قرار إلغاء الدعم عن المشتقات النفطية وما ترتب عليه من ارتفاع للأسعار وانعكاساتها السلبية على مجمل حياة البسطاء من الناس ذوي الدخل المحدود الذين وجدوا أنفسهم أمام التزامات حياتية جديدة ومعاناة قاسية ودخل محدود لم يتحرك, غير قادرين على مواجهة الأعباء الفادحة، يضاف إلى ذلك أن الوضع الأمني الخطير الذي يسود العاصمة وبعض المحافظات سيطر هو الآخر على تفكير الناس وضاعف همومهم وقلقهم نتيجة استغلال بعض القوى السياسية لحالة الغضب الشعبي من الجرعة, لخلق أزمة جديدة في البلاد ابتداءً بتنظيم المسيرات والاعتصامات سواء داخل العاصمة أو على مداخلها, والقيام بالتحريض, ثم التهديد بالتصعيد الأكثر إيلاماً, الأمر الذي جعل الناس يعيشون أجواءً مشحونة بالخوف والقلق والرعب.
صحيح أن الإصلاحات السعرية للمشتقات النفطية كانت ضرورة وطنية وحتمية لإنقاذ الاقتصاد الوطني من الانهيار, وإيقاف تدهور سعر العملة الوطنية, وإن القرار اتخذ بموافقة كل أطراف العمل السياسي المشاركة في حكومة الوفاق الوطني, لكن كان من الواجب على الحكومة أن تعمل على أن تكون الجرعة مصحوبة بحزمة إصلاحات جذرية وشاملة بما يضمن القضاء على مظاهر العبث بالمال العام والفساد المالي والإداري الذي أثقل كاهل الدولة والمجتمع, وتجفيف منابعه, وتحسين أوضاع موظفي الدولة وبالذات ذوي المرتبات المتدّنية وإنهاء الازدواج الوظيفي, وتخفيف الأعباء على المزارعين والصيادين, وتحسين وتحصيل الإيرادات والبحث عن مصادر دخل جديدة ترفد الخزينة العامة, ومتابعة المتهربين ضريبياً وجمركياً, ووضع الضوابط الكفيلة بمنع التلاعب بأسعار المواد الأساسية, والأهم من كل ذلك إنهاء الانفلات الأمني, و حماية المنشآت الحيوية وبالذات حقول إنتاج النفط والغاز, وأنابيب نقلهما التي تتعرض كل يوم للتفجير والتخريب وتتكبد الدولة بسببهما خسائر كبيرة وتحرم من أهم مواردها.
لقد كان من المعيب على حكومة الوفاق تهربها من مواجهة الشعب بالحقائق وشرح أبعاد مثل هذا الإجراء ومقتضيات اتخاذه, مما جعل رئيس الدولة يتحمل هو وحده تبعات هذا الإجراء, ويدافع عن الحكومة ويبرر فشلها وعدم قدرتها على تحمل مسئولياتها الوطنية والوظيفية في التصدي الحازم للفساد ورموزه, وإنهاء مظاهر الاختلالات المالية والإدارية.
كما أنه من المعيب على الأحزاب المشاركة في حكومة الوفاق أن تتنصل من مسؤولياتها في تحمل تبعات قرار إلغاء الدعم عن المشتقات النفطية الذي أقرته الحكومة بكامل قوامها, وأن تنبري بتقديم مبادرات ورؤى لما يجب القيام به بعد أن تصاعدت الاحتجاجات الشعبية التي لا زالت سلمية حتى اليوم, وتفاقم الوضع, وقيام بعض القوى السياسية باستغلال هذا الوضع للتصعيد وتعقيد الأمور, ورفض أي حلول تقدمها الدولة, ربما لأهداف ومآرب أخرى لم تكن الجرعة سوى غطاء للوصول إليها, فلقد كان الأحرى بالأحزاب أن تقدم رؤاها إلى الحكومة أثناء مناقشة إلغاء الدعم الحكومي لهذه المادة الأساسية وقبل اتخاذ القرار, أما بعد أن زادت الأوضاع تأزماً وزاد الغضب الشعبي فإن أي رؤى أو حلول تقدمها تعتبر تنصلاً عن تحمل تبعات هذا القرار ونوعاً من الانتهازية والمزايدة كانت في غنى عنها, إلى جانب أنها ستشمل تبريراً لدعوات التصعيد ورفع سقف المطالب, والاستمرار في تهديد الأمن والاستقرار وإقلاق السكينة العامة للمجتمع وتعطيل مصالح الناس, وإشاعة أجواء الخوف والقلق والرعب في المجتمع.