«1»
“لا يطير إمام دون جناحين”.
مقولة تاريخية قديمة تقضي باستحالة أن يفرض أي داعٍ إلى الإمامة نفسه من دون موافقة حاشد وبكيل.
«2»
تاريخياً لا يفضّل شيوخ القبائل الكبار الوصول إلى رأس السلطة بشكل مباشر تجنّباً لمشاكل وحساسيات قبلية متعدّدة بقدر تفضيلهم أن يكونوا السند الرافع لمن يصعد ثم يستريحون باستمرار مصالحهم كحرس خاص، وتاريخياً أيضاً يكشف ولههم بالامتيازات المعروضة، مالم فتلويحهم بإعاقة من لا يصون مصالحهم “عبودية طوعية ما فوق براجماتية لا عبودية قسرية مستلبة تماماً كما يعتقد البعض”.
من هنا فإن تغلغل هذا الوعي السياسي الرئيس في اليمن على مدى زمني كبير ومتجذّر هو ما سيظل يحدّد مكمن القوة الحقيقية للاعبين الأساسيين في صياغة السلطة ومستقبلها، في حين يبدو من الصعب حدوث أي فارق موضوعي في المشهد من غير حدوث تغييرات فارقة أصلاً؛ إما في بنية القبيلة نفسها أو في بنية الدولة على الأقل..!!.
«3»
“ تكشف مذكّرات سنان أبولحوم أن ناجي بن علي الغادر أكد له أن المال هو الذي جعله يتعاون مع الملكيين، وأنه مستعد للتحوّل إلى الصف الجمهوري إذا وفّر له المال، كما تكشف مذكّرات عبد الله بن حسين أن قاسم منصّر قال له إذا كان لديكم استعداد لدفع ما نستلمه من الملكيين سأعلن موقفي المؤيد للجمهورية”..!!.
هذا لا يعني وفق التصوّر البسيط أنهم مرتزقة أو بلا مبادئ، بقدر ما يعني - وفي العمق – أنهم محصورون في الاستمرار والتغير وفقاً لمصالحهم والتحوّلات التي تحدث، وبالمقابل أنه لا يوجد صراع أو تنافر جذري بين المشائخ الذين كانوا في الصفّين أيضاً..!!.
كما يشير الأمر إلى الدور المركب للمشائخ التقليديين وتوجهاتهم وانقساماتهم الظاهرية وفقاً للقيم المتاحة في نمط إنتاج القُبل التي يمثلونها، فضلاً عن وعي المحاصصات والتحالفات في إضعاف الأنظمة أو تقويتها وفقاً للتبدلات التي تطرأ ما تجعلهم فقط بين خيارين؛ الاستمرار أو التغيّر كما أسلفنا، على أن يمكنهم موقفهم المتخذ من الحصول على الامتيازات الجديدة.
طبعاً هذا لا يعني على الإطلاق المس أو التقليل من تضحيات القبائل العظيمة والمشرّفة في عديد مراحل.
والمعنى أنها تظل محكومة بالانساق والعوامل المؤثّرة في تطور المجتمعات أو تخلفها بشكل متسارع أو بطيء، إضافة إلى المشاكل والتحديات التي تواجهها اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً وسياسياً.... إلخ.
بلغة أخرى تمثّل القبيلة المؤثّرة في الحكم هنا شبكة مصالح ذات أدوار ترجيحية إرادية - لا جبرية كما نلاحظ - لكنها معقّدة تماماً –ولا يمكن قراءتها بعيداً عن تأثير الحاجة الاقتصادية على الحاجة السياسية، حتى إن تلك الشبكة مثلاً أسهمت وبقوة دراماتيكية في تصعيد وإسقاط أكثر من 70 إماماً كما يقول التاريخ دون أن يرف لها جفن..!!.
بالمختصر.. لا يمكن فهم الحالة السلطوية اليمنية من دون فهم التكتيك القبلي واستراتيجيته وفك الشيفرة التي لا أصعب منها والفهم الواعي للظروف والأحوال التي تستند إليها مواقف الفاعلين فيها، والقدرة الاستثنائية على حرف المزاج القبلي من الضد إلى الضد في أقل من لحظة.
fathi_nasr@hotmail.com