بغض النظر عن رؤيتنا لمسار الأحداث التي ابتدأت بدماج في محافظة صعدة وانتهت في العاصمة في 21 سبتمبر 2014م, وبمعزل عن رؤيتنا للأحداث ومساراتها, فإن المشهد الراهن مستمر في الحركة نحو مآلات يمكن رؤيتها ويمكن بقدر من الإدراك الواعي والإرادة الفاعلة تحديد ماهية وطبيعة تلك المآلات.
وحين لم ولن نفكّر في أن القوة المسلّحة لجماعة أنصار الله كانت مفتاح الحسم في كل تلك الأحداث, فإن الخطأ القاتل أن نجعل هذا العامل وحده هو مصدر القوة وأداة الحركة وصانع الحدث ومحدد نهايته, إذ لابد من رؤية شمولية تضع هذا العامل في موقعه من كل العوامل المحركة للأحداث ودوره في مختلف سياقاتها المتكاملة على صعيد الفعل وضده بين قوى الصراع.
وفي رأيي فإن عامل الحسم لم يكن أبداً هو القوة المسلّحة, بل إن هذه القوة كانت أداة لعامل الحسم الذي أحدده هنا بعامل الشرعية اللازمة لتبرير فعل القوة وتوفير مقومات قدرتها على بدء الفعل واستمراره, وقد توفرت هذه الشرعية لجماعة أنصار الله سياسياً وشعبياً, أولاً من خلال الثغرات القاتلة في شرعية خصوم الجماعة بدءاً بالسلفية فبيت الأحمر ثم اللواء علي محسن الأحمر, وثانياً بنتائج فشل حكومة باسندوة وعجزها عن إنجاز التغيير المنشود شعبياً لنظام حكم الرئيس السابق, وأخيراً بوصول هذا العجز إلى نقطة فقدان الشرعية ثم الأضرار بالمصلحة الشعبية بقرار رفع الدعم.. لقد وضعتنا تلك الأحداث في منعطف تحولات حاسمة وخطرة, منتجة على الواقع تحديات إن لم نحسن تقديرها ومواجهتها بحس وطني ومسئولية أخلاقية, فإنها ستجرفنا جميعاً إلى دوامة صراع مدمر, ومهلك, أول هذه التحديات تفرضها القوة على جماعة أنصار الله وعلى الخصوم وغير الخصوم, إذ يقودنا الاعتقاد بأن هذه القوة هي وحدها القادرة على الفعل والحسم, إلى تجاهل ما تقتضيه القوة من شرعية سياسية وأخلاقية تبرّر وجودها وبل فعلها, وسواء توهمت جماعة أنصار الله أم توهم خصومهم ذلك, فإن الخطر في هذا الوهم مدمر لأهله قبل غيرهم, وإن كان هذا الدمار يشمل وطناً وشعباً، غير أن امتداد هذا الوهم إلى قوى سياسية وجماهيرية, أهمها الحراك, أكثر خطراً من سابقيه بحكم الفرق بين واقع القوة القائم وتصور هذه القوة في الخيال.
خرجت القوة المسلّحة لجماعة أنصار الله من واقع تاريخي ومجتمعي مختلف عن واقع الحراك الجنوبي, فتغييب الدولة عن الجغرافيا شمال الشمال لفترة طويلة أفرز ما يكافئ هذا الغياب في المجتمع, فكانت القوة المسلّحة بديلة للدولة, ولن تستمر في تواجدها طويلاً, لأنها منفلتة عن التنظيم، مجردة من سلطة القانون، محكومة بالأهواء والرغبات الشخصية, ومالم تبادر وتسرع جماعة أنصار الله بتأطير هذه القوة في الدولة, فإنها ستصبح خطراً مدمراً للجماعة.
albadeel.c@gmail.com