لفتت نظري مشاركة المنتخب الوطني لكرة القدم في الدورة الثانية والعشرين التي أقيمت في المملكة العربية السعودية والدور الذي حظي به المنتخب الوطني لمجرد أنه قدّم عروضاً جيّدة وخرج بأقل الخسائر، بدا لي ذلك المشهد أنه يستحق التأمل، خاصة بعد أن وجدت الأحزاب والسياسيين والمواطنين يريدون أخذ الصور مع الفريق، بالطبع أنا لا أريد الحديث في كرة القدم لأنني لا أستطيع أن أفتي في الموضوع والعيسي في الاتحاد! لكن الأمور في اليمن متشابكة، والانتصار في كرة القدم ليس بعيداً عن تحقيق انتصارات في الشأن العام، ففي كل الأحوال فإننا نتنافس مع آخرين، وفي الأمور الحزبية فإننا نتنافس مع أنفسنا، وقد جذبني إلى كتابة هذا المقال ما رأيته في مؤسستين إنتاجيتين تدرّان على خزينة الدولة مئات الملايين من الدولارات، هما مصنع باجل والبرح للإسمنت اللذان يصنعان المستقبل، لكنهما يتعرّضان للتدمير الممنهج، حتى يؤولان إلى القطاع الخاص، مصنع باجل كانت تصل طاقته الإنتاجية إلى “250” ألف طن في السنة، أصبح لا ينتج شيئاً وهو معطّل عن العمل، هذا المصنع أنشئ عام 1973م على يد الروس.. وفي عام 2009م قررت الحكومة توسعته، فتعاقدت مع شركة صينية بمبلغ “129” مليون دولار نسبة 22% من المبلغ حصة المصنع، والباقي قرض تجاري وقرض حكومي، على أن يتم الانتهاء من العمل في عام 2011م، لكن قطّاع الطرق وناهبي الأموال العامة والمتهرّبين من دفع الضرائب تحولوا إلى ثوار لإيقاف عجلة التنمية التي بدأت تتحرك ببطء شديد، فما كان من الشركات العاملة في بلادنا، ومنها الشركة الصينية إلا مغادرة البلاد ورفضت العودة إلا بعد دفع تعويض قدره 3ملايين دولار، استكملت الشركة العمل في المصنع، ولكنها لم تستطع تسليمه حتى الآن، لأن المولدات الكهربائية استوردت من فنلندا ووحدة التغليف من ألمانيا والشركة الاستشارية من بريطانيا، وهذه الشركات ترفض أن تبعث مهندسين بسبب الأوضاع الأمنية.
والأدهى والأمر هو أن الغرامات والأرباح على القرض وصلت إلى ما يقرب من “159” مليون دولار، والمبلغ يتصاعد كل يوم.. أما مصنع البرح الذي بلغت طاقته الإنتاجية “363” ألف طن فهو ينتج اليوم ما يقرب من نصف الكمية وهو مهدّد بالتوقف بسبب ارتفاع مادة المازوت التي تبلغ - كما قال القائمون على المصنع - الـ 42 مليون دولار في السنة، في حين أن تغيير المنظومة إلى الفحم لا يحتاج سوى 12مليون دولار فقط، والسؤال الذي يطرح نفسه هو: من الذي يعطّل شراء المنظومة الجديدة؟ ولماذا الإصرار على العمل بمادة المازوت؟ إضافة إلى ما سبق فقد كان المصنع يملك 18مليار ريال تم التصرّف بها من قبل المؤسسة العامة للإسمنت ونقلها إلى مصنع باجل ومصنع عمران.
وتأسيساً على ذلك فإنني أطلب من رئيس الحكومة الأستاذ خالد بحاح أن يتدخّل شخصياً لإنقاذ مصنع البرح وتكليف وزير خارجيته لمخاطبة الدول آنفة الذكر فيما يتعلّق بمصنع باجل لاستقدام المهندسين إلى مطار صنعاء ونقلهم إلى المصنع في طائرة هيلوكبتر وإعادتهم بنفس اليوم حتى لو كلّف ذلك مليون دولار خير من استمرار الحسّابة تحسب على خزينة الدولة، والمدهش في الأمر هو أن المؤسسات الحكومية التي تخسر اليوم يقودها ثوّار كانوا يرفعون شعار مكافحة الفساد.
ولستُ بحاجة إلى القول: إن الأخ رئيس الوزراء وطاقم حكومته مطلوب منهم أن يحرّموا على أنفسهم النوم، لأن البلاد يُغرقها الفساد ومئات الآلاف من العمال يكادون يتوقفون عن العمل، ولست أدري أين ذهبت الضمائر وهي ترى مئات الملايين من الدولارات تُهدر ولا رقيب أو حسيب، فالمسألة في الأول والأخير هي في الجهد الإنساني الوطني الذي يأخذ اليمن إلى الأمام.. فلماذا لا يكون هؤلاء كالمدرب الذي يحث لاعبيه على بذل الجهد للفوز في مباراة لابد من الفوز فيها.
أدعو رئيس الوزراء إلى إعادة النظر في القائمين على مؤسسات الدولة، وتعبئة القدرات الوطنية لإنجاز الأهداف في موعدها، اليوم مصانع الإسمنت الخاصة تنافس المصانع الحكومية، وهناك من يريد بيع المصانع الحكومية للقطاع الخاص، نحتاج يارئيس الحكومة إلى منظومة متكاملة من البشر القادرين على إنجاز المهام الوطنية وتعبئة الموارد وتنفيذ الخطط حتى نستطيع تغيير أحوال اليمن في فترة قصيرة.. وهذا ممكن خاصة إذا استفدنا من تجارب دول سبقتنا، فإننا نستطيع مضاعفة الدخل القومي في فترة وجيزة، وإذا أردنا ذلك فعلينا أن نتجه إلى انتخابات المحافظين التي تأخرت كثيراً، فنحن في حاجة إلى تغيير خريطة وجغرافيا اليمن، كما نحتاج إلى إرسال سفرائنا إلى سفاراتنا في الخارج التي تعمل بدون سفراء منذ ثلاث سنوات، وفي كل ذلك نحتاج إلى شرط الأمانة والنزاهة، ونظافة السجل المدني من كل سوء، والكفاءة فيما سبق من أعمال، نحتاج إلى محافظين يقدّمون خططاً اقتصادية واستثمارية، وليس محافظين يُوزّعون بحسب الحصص.