لا يختلف اثنان على أن المملكة العربية السعودية لازالت هي اللاعب الأساسي في الأحدث السياسية الجارية في اليمن ولا يختلف اثنان أيضاُ أن قرارات المملكة في غالبيتها تجاه اليمن غير مدروسة ولا تصب بمجملها في صالح الشعب اليمني على الرغم من المساعدات الكبيرة التي قدمتها المملكة لليمن ووجود مئات الآلاف من اليمنيين العاملين في المملكة الا أن السياسة الإيرانية أضحت الأكثر حضوراً في المشهد اليمني على الرغم من أن ايران لم تقدم لليمن سوى شحنات الأسلحة المهربة.. يعود الأمر في ذلك إلى استراتيجيات القرار السياسي الإيراني, بينما سياسة المملكة تجاه اليمن تتجلى من خلال المعلومات الإعلامية.
فلربما وردت معلومات في مقال صحفي أو من خلال محلل سياسي في الجزيرة أو العربية يتخذها متخذ القرار في المملكة مرتكزاً سياسياً للتعامل مع الشأن اليمني أومع بعض القوى السياسية إضافة إلى ماسبق فإن المملكة تتعامل مع اليمن استناداً إلى علاقتها ببعض المشايخ وبعض القيادات الحزبية هنا وهناك.
ولست بحاجة للقول إن المملكة واليمن يمثلان عمقاً استراتيجياً لبعضهما البعض مما يحتم على المملكة أن تسعى إلى إحداث استقرار سياسي في اليمن وعلى الرغم من الدعم السخي الذي قدمته المملكة لليمن الا أنها بنت سياساتها خلال الفترة الماضية على أن يظل اليمن ضعيفاً ومتوتراً.. فنحن نشهد دعماً غير عادي لبعض القوى في مأرب وكذلك نقل السفارة إلى عدن. وهذا الأمر يساعد على تقسيم البلد ويضرب الوحدة اليمنية بمقتل.
وقد أشار المفكر المصري محمد حسنين هيكل في كتابه مقالات يابانية إلى وصية الملك عبدالعزيز لأبنائه من على فراش الموت (بأن يحاذروا من يمن موحد, فهذا خطر عليهم وعلى المملكة التي سيرثوها من بعده, وعليهم أن يتذكروا أن ضمان رخائهم مرهون ببؤس اليمن) ولم تكتفي المملكة بنقل السفارة إلى عدن بل ذهبت لدعم بعض القوى التي زعمت أن سبب نقلها لسفارتها من صنعاء هو سيطرة المليشيات هناك على العاصمة.
صحيح أن المملكة كانت راعية للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية لكنها تركت المبعوث الأممي جمال بن عمر والمؤسسة الرئاسية يتلاعبان بالزمن ويحولان المبادرة إلى مهام وليس إنجاز زمني.. وقد ذهب الكثير من المحللين السياسيين إلى أن نقل سفارتها إلى عدن يعني غياب الرؤية الاستراتيجية المدروسة.
وهي بذلك فتحت ذريعة لبعض القوى ان تجند المليشيات من دون أن تأخذ في الاعتبار التداعيات الكارثية لمثل هذه السياسات على اليمن وعلى المملكة نفسها.
ومما لاشك فيه أن اليمن تدفع ثمن أخطاء المملكة وعليها أي السعودية أن يتسع صدرها لسماع الرأي الآخر فالمشهد اليمني اليوم مفتوح على الاحتمالات كافة, والأخطاء التي ترتكبها المليشيات في عدن يمكن لها أن تسرع من تقسيم الدولة اليمنية, فمثل هذه السياسات توفر البيئة الملائمة لمزيد من التوترات وتعميق الميول الانفصالية وتفتح الطريق أمام الجماعات الإرهابية.
وعلى المملكة أن تتعامل مع الملف اليمني باستراتيجية بعيدة المدى, فاليمن يمتلك أكثر من 60 مليون قطعة سلاح منتشرة في الشوارع, وهي كمية كافية لتسليح شعوب دول الخليج مجتمعة أربع مرات.
عليها أن تكف عن معاداة القوى السياسية اليمنية المؤثرة في الساحة لأن معادائها يوفر المناخ المناسب للمليشيات المقاتلة والقوي الجهادية والتحالفات القبلية.. وهذا يقلص المساحة السياسية أمام القوى الوطنية الفاعلة.
إن خطوات المملكة التي اتخذتها في مأرب وعدن تساعد على تراجع الحس الوطني لمصلحة الحس المناطقي والقبلي, مما يجعل التقسيم سهلاً, وعليها أن تدرك أن تقسيم اليمن سيكون تمهيداً لتقسيم المملكة التي عليها أن تدرك أن إصلاح اليمن عند هذه النقطة سيكون صعباً وسيتجاوز قدرة اليمنيين والسعوديين على حد سواء وسيكون من الصعب بعد ذلك انفاق مئات الملايين من المساعدات على بلد فقير معدم.. فالمملكة لديها قدرة من السيولة النقدية فلا تستخدمها في تفكيك اليمن لأنها ستكون بذلك قد سعت لتفكيك نفسها,تحتاج المملكة إلى معايرة وجودها في اليمن مع آمنها القومي.