قليلة هي الاخبار السعيدة هذه الايام بالنسبة الى اليمن الذي ارتبط اسمه مجازا بالسعادة، لكن هدنة الايام الخمسة التي اعلنتها الامم المتحدة مساء الخميس ربما تعطي بصيص امل لاكثر من 25 مليون يمني يحتاج اغلبيتهم الساحقة الى المساعدات الانسانية الضرورية حسب تقديرات الامم المتحدة.
فمنذ غارات “عاصفة الحزم” الجوية التي بدأت قبل مئة يوم تقريبا، وتشارك فيها رسميا حوالي 175 طائرة في اطار تحالف عربي “شكلي” تقوده المملكة العربية السعودية، يعيش اليمنيون ظروفا صعبة للغاية، حيث لا ماء ولا كهرباء ولا ادوية ولا طعام، وفوق هذا وذاك، انتشار الاوبئة والامراض، وخاصة حمى الضنك التي تحصد الارواح لانعدام الادوية اللازمة، وتدهور الخدمات الطبية الى الحدود الدنيا، وهي بائسة في الاساس.
***
قرار الهدنة لم يأت من قبيل الرئيس عبد ربه منصور هادي، فهو مجرد واجهة فقط، وانما من القيادة السعودية، واستجابة لطلب من الامم المتحدة وضغوط دولية واقليمية، لان استمرار القصف بات بلا هدف، ويعطي نتائج عكسية تماما، تؤثر سلبا على المملكة العربية السعودية نفسها وسمعتها وامنها واستقرارها.
الضغوط الدولية وصلت ذروتها عندما طالب الامين العام للامم المتحدة بان كي مون بوقف اطلاق النار بأسرع وقت ممكن، واكد اكثر من مرة ان عدد القتلى وصل الى 2800 قتيل معظمهم من المدنيين، وكشف عن ارتفاع عدد الجرحى الى حوالي 13 الف جريح.
المبعوث الدولي اسماعيل ولد الشيخ حمل هذه الارقام ومعها المزاج الاممي العام بضرورة وقف هذه الحرب الى القيادة السعودية في الرياض، التي ادركت ان “العناد” لا يفيد ولا بد من هدنة تخفف من معاناة اليمنيين تزامنا مع الايام العشرة الاخيرة من شهر رمضان، ومقدم عيد الفطر السعيد.
الهدنة جاءت غير مشروطة، ومن طرف واحد، اي الطرف السعودي الذي يملك قرار الحرب والسلام، او معظمه، ولكن نجاحها مرهون بالتزام كل الاطراف بها، والتحالف “الحوثي الصالحي” على وجه الخصوص الذي رحب بها.
هناك اطراف عديدة في اليمن خارج السيطرة، مثل “الدولة الاسلامية” وتنظيم “القاعدة”، وميليشيات قبلية منفلته، ومصلحة هذه الاطراف، مجتمعة او منفردة، استمرار الفوضى الدموية والفلتان الامني، وعدم وجود سلطة مركزية.
الانطباع الخاطيء الذي كان سائدا قبل اطلاق الغارة الاولى، والصاروخ الاول في هذه الحرب، انها ستكون بلا مخاطر، واذا كانت هناك مخاطر، وهذا امر طبيعي في كل الحروب، ستكون محدودة للغاية، لانعدام التكافؤ بين طرفيها الرئيسيين، اي السعودية والتحالف “الحوثي الصالحي”، ولكن بعد مئة يوم تبين عدم صحة هذه القناعة، الامر الذي اوقع جميع الاطراف المتورطة فيها في مآزق صعبة، وهوة بلا قاع.
فالرد على القصف الجوي السجادي خاصة في محافظات الحوثيين الرئيسية في صعدة وعمران، جاء من خلال حرب استنزاف برية على الحدود السعودية اليمنية تمثلت في اطلاق صواريخ كاتيوشا، وسكود، وغراد معدلة، على مدن سعودية جنوبية مثل جيزان ونجران وقرى اخرى في منطقة عسير، اوقعت قتلى وجرحى، وعمليات تهجير للسكان، واغلاق مدارس ودوائر حكومية.
الحرب جاءت في التوقيت الخطأ ايضا اقتصاديا وماليا على الاقل، اي مع انهيار اسعار النفط الى اقل من النصف، حيث انخفض سعر البرميل من 118 دولارا الى 46 دولارا، وتحسن السعر قليلا في الايام الاخيرة الى حدود 64 دولارا، وربما يعود الى الانخفاض مجددا في حال رفع الحظر عن الصادرات النفطية الايرانية، بمقتضى الاتفاق النووي المنتظر.