|
|
|
|
|
حِدّة المُواجهة بين الهند وباكستان خفّت ولكنّ الأزَمة مُستمرّة وجمرها الأكثر احمرارًا.. مَن هُما الجِهتان الأكثر كسبًا من إشعالِ فتيلها؟
بقلم/ أستاذ/عبد الباري عطوان
نشر منذ: 5 سنوات و 9 أشهر و 9 أيام الأحد 03 مارس - آذار 2019 08:54 ص
نجحت الحُكومة الباكستانيّة في تخفيف حدّة التوتّر “جُزئيًّا” مع جارتها الهند عندما أفرَجت اليوم الجمعة عن الطيّار الهندي الذي جرى إسقاط طائرته أثناء هُجومها ضِمن 12 طائرة أُخرى على قواعد لجماعة جيش محمد الإسلاميّة المُتشدّدة النّاشطة في إقليم كشمير خُصوصًا، والمِنطَقة عُمومًا، وأعلنت مسؤوليّتها عن الهُجوم الذي شارك فيه 14 انتحاريًّا واستهدف قافلةً عسكريّةً هنديّةً داخِل الجانب الهنديّ من الإقليم المذكور، ممّا أسفر عن مقتل 40 جُنديًّا، وهو أكبر عدد من الضّحايا العسكريّين على يد هذه الجماعة مُنذ نُشوب الأزَمة قبل 70 عامًا.
الجُهود الدوليّة تتواصل لنَزع فتيل الأزَمة، من عدّة جهات أبرزها روسيا وتركيا والسعوديّة والإمارات، ولكن الولايات المتحدة اكتفت بدعوة الطّرفين إلى ضبط النفس، وهي دعوة “ملغومة” تشي بالكثير، وسنشرح ذلك لاحقًا.
وزارة الخارجيّة الهنديّة أبدت تَحفّظًا غير مسبوق تُجاه الوساطات وأصحابها، وقالت في بيانٍ ينطوي على الكثير من الرسائل “ليس هُناك حاجة للوسطاء، فلدينا قنوات التّواصل الفعّالة، والكرة الآن في ملعب باكستان للقيام بالخطوات المطلوبة ذات المصداقيّة ضِد الجماعات الإرهابيّة التي تعمل داخل أراضيها”، وهذا مطلبٌ يبدو مُستعصيًا، إن لم يكُن مُستحيل التنفيذ.
الحُكومتان أعلنتا حالة الطوارئ القُصوى في صُفوف قوّاتهما المُسلّحة، وأغلقتا الأجواء، وترأس السيد عمران خان، رئيس الوزراء الباكستانيّ، المدعوم من قبل المؤسسة العسكريّة (يقال إنّها هي التي جاءت به)، عدّة اجتماعات مع جنرالاته، أبرزها مع قادة قِطاع الأسلحة النوويّة، وسط أنباء عن تطوير باكستان قنابل نوويّة تكتيكيّة للتصدّي لأيّ غزوٍ عسكريٍّ هنديٍّ مُفاجئ.
***
المعلومات المُتوفّرة تقول بأنّ الهند تملُك 140 رأسًا نوويًّا بالمُقارنة مع 150 رأسًا في التّرسانة الباكستانيّة، وبات البَلدان أخيرًا يملُكان الوسائل لتحميل هذه الرؤوس للوصول إلى أهدافها، سواء بطائرات قاذفة أو صواريخ على عكس ما كان عليه الحل في آخر نزاع عسكريّ بينهما عام 1999، وهذا ما يُفسّر إقدام السيد خان على تذكير الهند بأنّ ما يملُكه البَلدان من أسلحةٍ نوويّة يُحتّم عليهما الحِوار وتجنُب أيّ خطأ في الحِسابات يؤدّي إلى دمارٍ شامِلٍ للطّرفين.
جمر الأزَمة ما زال شديد “الاحمرار” والتوتّر ما زال قائمًا، لأنّ زعيميّ البلدين يتعرّضان لضُغوطٍ شديدةٍ من الصّقور في المُؤسّستين العسكريّتين أوّلًا، ومن الجماعات المُتشدّدة، خاصّةً في الجانب الهنديّ، فرئيس الوزراء ناريندرا مودي، يقف على أبواب انتخابات تشريعيّة وشيكة، ويتعرّض لانتقادات شرِسة من قبل المُعارضة تركّز على فشله في التصدّي بفاعليّة للإرهاب المدعوم باكستانيًّا، وعجزه عن تنفيذ وعوده التي أوصلته وحزبه اليمينيّ العنصريّ إلى السلطة في الانتخابات الأخيرة من قاعدته الهندوسيّة، وأبرزها تحديث الهند ومؤسساتها وأدوات إنتاجها، وحل مشكلة البِطالة المُتفاقمة في أوساط الشّباب.
جيش محمد المتطرف إسلاميًّا وجماعة لشقر طيبة، المنظمة الأخرى المُماثلة، يحظيان بدعم قوي من أغلبيّة الشعب الباكستاني، ونفّذا هجمات انتحاريّة في العُمق الهندي مثل هجمات البرلمان في نيوديلهي عام 2001، وممباي عام 2008، وعشرات الهجمات داخل جامو كشمير في السنوات العشر الماضية، ولذلك سيكون من الصّعب على السيد خان التجاوب مع المطالب الهنديّة والأمريكيّة بالقضاء عليهما، وقطع علاقتهما مع تنظيميّ “القاعدة” و”الدولة الإسلاميّة” داعش.
دولتان هُما الأكثر استفادة من هذه الأزَمة: الأولى الولايات المتحدة التي تُريد استخدامها للضغط على الحكومة الباكستانيّة الحاليّة لوقف دعمها لحركة طالبان في أفغانستان، والقضاء على الجماعات الإسلاميّة المُتشدّدة على أراضيها التي تُنسّق مع حركة طالبان عسكريًّا أيضًا، وتسهيل مُفاوضات السلام الحاليّة الدائرة في الدوحة بين الجانبين الأمريكيّ والطالبانيّ، والثانية دولة الاحتلال الإسرائيلي التي باتت أحد مصادر التّسليح الرئيسيّة للهند، ونجحت في غزو الأسواق الأمنيّة والعسكريّة الهنديّة، وكان رئيس وزرائها الحالي مودي أوّل زعيم هنديّ يزور القدس المحتلة العام الماضي.
ما يُمكِن الوقوف عنده “عربيًّا” في هذه الأزَمة مجموعة من التطوّرات أبرزها:
أوّلًا: أنّ السيد خان اتّصل بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان للتدخّل لإيجاد مخرج سلميّ لهذه الأزمة، ولم يتّصل بأيّ مسؤول عربي، خاصّةً العاهل السعوديّ الذي زار وليّ عهده إسلام أباد قبل أسبوع وقدّم مُساعدات واستثمارات مِقدارها 20 مليار دولار لباكستان.
الثاني: أنّ الأمير محمد بن سلمان، وليّ العهد، هو الذي أوفد وزير الدولة للشؤون الخارجيّة السيد عادل الجبير إلى العاصمة الباكستانيّة حامِلًا رسالةً عاجلةً منه وليس من والده الملك إلى القيادة الباكستانيّة تتعلّق بهذه الأزَمة، ممّا يعني أن الأمير بن سلمان باتَ يتصرّف كملكٍ وبشكلٍ مُتسارع.
الثالث: عدم استجابة المؤتمر الوزاري لمنظمة التعاون الإسلامي الذي انعقد أمس في أبو ظبي لطلب الحكومة الباكستانيّة بعدم استضافة وزيرة الخارجيّة الهنديّة، أو تأجيل الاجتماع كحل وسط، بسبب الأزَمة الحاليّة، وقد حضرت الوزيرة الهنديّة المُؤتمر وألقت خطابًا من على منبره نقلت فيه تحيّات حواليّ 200 مليون مسلم، مُؤكّدةً على قيم التّعايش بين الأديان في الهند.
***
خِتامًا نقول ونُكرّر، بأنّنا لا نستبعد وجود أصابع أمريكيّة وإسرائيليّة خلف هذه الأزَمة بين القوّتين النوويتين الكُبريين في جنوب آسيا، أيّ الهند وباكستان، لزعزعة استقرار المنطقة بنقل الصراع إليهما، ففي كُل الأزمات السّابقة المُماثلة، أرسل البيت الابيض المبعوثين فورًا لتطويقها، إلا إدارة ترامب الحاليّة، التي قطعت مُساعداتها السنويّة التي تصِل إلى ملياريّ دولار لباكستان لأنّها لا تُكافح الإرهاب بالشّكل المطلوب (حركة طالبان)، وهي الحركة التي هزمت أمريكا في أفغانستان، وباتت واشنطن تبحث عن اتّفاق يُنقذ ماء وجهها ويُسهّل سحب قُوّاتها (14 ألف جندي).
نعترف أننا نؤمن بنظريّة المُؤامرة ولا يُضيرنا ذلك لأنّنا كعرب أحد أبرز ضحاياها في العِراق وسورية وليبيا واليمن ولبنان وفلسطين المحتلة، ولم نَجنِ من التدخّلات العسكريّة الامريكيّة الإسرائيليّة غير دمار بُلداننا، وأكثر من ثلاثة ملايين شهيد، وسرقة التّريليونات من الدولارات من أموالنا وأجيالنا الحاليّة والقادمة، ولا نحتاج إلى أيّ أدلّةٍ وإثباتاتٍ لتعزيز موقِفنا هذا الذي لن نتنازل عنه.
|
|
|
|
|
|
|
|