من المنتظر أن يشهد اليمن منعطفا نوعيا ابتداء من هذا اليوم إذا ما تم الالتزام بتوقيع المبادرة الخليجية المجدولة زمنيا.فالتوقيع يضع حدا للازمة اليمنية الممتدة منذ مطالع العام الجاري ويرسم خاتمتها المفيدة لجميع الأطراف وليس لطرف دون غيره.وعلى الرغم من واجب التحفظ لمعرفة المزيد من التفاصيل عن هذه الورقة وعن رهانات كل طرف من التوقيع عليها فان الالتزام بالمبادرة الخليجية المعدلة يستدعي الملاحظات التالية:
أولاً: تقتضي دواعي الإنصاف القول أن العناصر الأساسية في النص الذي تم التوقيع عليه كان الرئيس علي عبدالله صالح قد عرضها لحل الأزمة منذ شهورعديدة بل عرض القسم الأكبر منها في الشهر الأول من الأزمة عندما تحدث عن حكومة وحدة وطنية وعن رفضه لمثلث التصفير والتوريث والتمديد وعن انتقال السلطة عبر انتخابات مبكرة فضلا عن أن الرئيس اليمني قد لخص في مقابلة أجرتها معه مؤخرا قناة فرنسا الدولية عناصر المبادرة المعدلة وأعلن بنفسه عن خارطة الطريق لتنفيذها بل يذهب الزميل نبيل الصوفي إلى ابعد من ذلك عندما ينشر في صفحته على الفيس بوك وثيقة بخط اليد يقول أن الدكتور عبدالكريم الإرياني قد كتبها ووقع عليها عدد من الأقطاب وهي تنطوي على مشروع تفصيلي أعده الرئيس لانتقال السلطة يشبه إلى حد بعيد المبادرة التي تم التوقيع عليها في الرياض مع فارق أن الرئيس اقترح هذا المشروع منذ ستة أشهر على ما يؤكد الصوفي .. ما يعني أن أحزاب المعارضة استجابت بعد ستة اشهر لشروط رئيس الجمهورية في انتقال السلطة الأمر الذي يعني أن اليمن كان بوسعه ان يتجنب الخراب والخسائر التي وقعت خلال الشهور الماضية ناهيك عن محاولات الاغتيال والتصفية .. الخ.
ثانياً: يؤكد توقيع الاتفاق على القاعدة الذهبية التي حكمت انتقال السلطة سلميا في اليمن الجمهوري ومفادها أن التغيير في هذا البلد لايتم بالاكراه وإنما بالتراضي وان استقرار البلد رهن بالحفاظ على مصالح كل الأطراف والثابت أن اتفاق الرياض أو المبادرة الخليجية تمنح لكل طرف حقه وتعطي كل طرف وسائل حماية مصالحه في السلطة الجديدة.
ثالثاً: لا تنطوي المبادرة على خلع رئيس الجمهورية من الدولة كما حصل في بلدان عربية أخرى فهي تنص ضمنا على إكمال فترته الرئاسية عبر نائبه في ظل حكومة وحدة وطنية تشرف على انتخابات رئاسية مفتوحة لكل المرشحين من كل الفئات السياسية وبالتالي من الصعب الحديث عمن سيفوز فيها منذ الآن كما كانت الحال في تونس أو كما هي التوقعات في مصر وليبيا.بكلام آخر يمكن القول ان اللعبة مفتوحة في اليمن ومضمونة في بنود الاتفاق التي تسربت إلى وسائل الاعلام وبالتالي لا تعبر الغاء طرف وانتصار طرف آخر بالضربة القاضية.
رابعاً: على الرغم من إشارة الرئيس علي عبدالله صالح إلى أن ما جرى يعد اختراقاً للدستور فان حل الأزمة تم في إطار شرعية الدولة وليس عبر شرعية أخرى وبهذا المعنى فان الاتفاق يراعي وجوب التوافق بين كل الأطراف في كل ما يتصل بمستقبل البلاد وعليه فان التعديلات الدستورية المتوقعة أو المحتملة لا يمكن أن يرسمها طرف واحد على حساب الأطراف الأخرى.
خامسا: يفترض من خلال الاتفاق أن يعمل الجميع معاً من اجل إنقاذ البلاد وكل خروج عن منطق العمل المشترك من شأنه أن يعيد الأمور الى المربع الاول- اي الى الصراع في الشارع وبالتالي الانخراط في حرب اهلية لا تبقي ولا تذر ولا تفيد أحداً.
سادساً: يمكن القول دون تردد ان الاتفاق لا يعكس منطق الغالب والمغلوب في اليمن فالمعارضة سيكون لها نصف الحكومة مع رئيسها والموالاة سيكون لها نصف الحكومة مع رئيس الجمهورية وهذا التقاسم للسلطة يعني ان لاغالب ولا مغلوب في هذا الصراع وان اليمن هو الرابح الوحيد.
تبقى الاشارة الى التحذير من المنطق الانتقامي الذي ورد في كلمة العاهل السعودي عبدالله بن عبدالعزيز فالاتفاق لا يتماشى مع الغدر ولا مع نوايا الانتقام المضمرة ولا مع فتح الحسابات القديمة . بكلام آخر يجدر بالاتفاق أن يجب ما قبله اما التضحيات التي بذلها كل طرف فقد أدت إلى أن يحفظ مصالحه في ظل صيغة الحكم المقبلة.
ما من شك في ان الاسابيع والشهور المقبلة ستكون شديدة الحساسية ودقيقة للغاية يختبر فيها كل طرف نوايا الاآخر ومدى اخلاصه في تطبيق الاتفاق ولكنها تنطوي ايضاً على اختبار قدرة الجهات الخارجية العربية والدولية الضامنة للاتفاق على ممارسة الضغوط على كافة الاطراف والسهر على تطبيق الاتفاق بروحه وبنصوصه وبما ان هذه الاطراف ليست ملائكية وبالتالي يمكن ان لا تكون جاهزة دائما للتدخل بحماس في الشؤون اليمنية فإن العبء الاكبر يقع على اليمنيين انفسهم اذ سيكون عليهم بذل جهود قصوى لضمان وحدة الحكم ان ارادوا ان يطووا صفحة الازمة من اجل التقدم إلى الامام على طريق اعادة اعمار البلاد والحفاظ على وحدتها وترسيخ التجربة الديمقراطية فيها .. نعم لقد دخل اليمن منعطفاً جديداً سيكون على اليمنيين ان يبينوا خلاله انهم جديرين بهذا البلد وحمايته من الحرب الاهلية ومن المطامع الداخلية والخارجية على حدٍ سواء.. في هذه الحالة وفيها وحدها يمكن القول ان الشهداء الذين سقطوا خلال هذه الازمة من جميع الاطراف لم تذهب دماؤهم هدراً.