لحظة تاريخية فاصلة، شهدتها الرياض أمس برعاية ملكية من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، حين وقع الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، على وثيقة المبادرة الخليجية لنقل السلطة في بلاده، ثم وقع ممثلون عن حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم، وعن المعارضة على الآلية التنفيذية للمبادرة، وهي ذات جدول زمني دقيق يحدد ملامح المرحلة الانتقالية في اليمن.
وعبر عشرة أشهر، هي المدة منذ بدء الأزمة اليمنية، حتى توقيع الاتفاقية، تكررت محاولات المجلس الوزاري الخليجي لإبرام اتفاق نقل سلمي للسلطة، بيد أن هذه المحاولات تعثرت غير مرة، بسبب من اختلاف الأطراف حول بنود الاتفاقية وآلياتها ومكان توقيعها، ولم يكن إلى النجاح سبيل سوى حضور الثقل السياسي للمملكة، ورعاية خادم الحرمين الشريفين بوصفه رجل المبادرات الخيرة، والحريص على مصلحة الأمة، والمؤمن بما يقتضيه الجوار ووحدة الدم واللغة والعقيدة من حقوق تحتم على المملكة القيام بدورها تجاه أشقائها، وهو ما أكد عليه ـ حفظه الله ـ في كلمته التي ألقاها قبيل التوقيع، والمتضمنة معاني الإخوة والترابط والتصالح والتسامح.
إن الانتقال السلمي للسلطة في اليمن، يضمن للبلاد مستقبلا أفضل، في حال حسنت النوايا، واحترمت جميع الأطراف تعهداتها، وتوقفت أعمال العنف بأشكالها، ومعها كل الاستفزازات الإعلامية من قبل الأطراف المتنازعة، بما يحقق تنفيذا كاملا لبنود الاتفاقية، والتزاما مشتركا بآليتها التنفيذية، وهو ما يحتم على مجلس التعاون الخليجي بوصفه الجهة الراعية للاتفاق، متابعة تنفيذ بنوده، الأمر الذي يثق المتابعون في حصوله.
التوقيع على المبادرة الخليجية، يجعل من الأنموذج اليمني مثاليا، ومختلفاً عن النظائر التي ذهب ضحيتها عشرات الآلاف، ويؤكد على أن الأطراف السياسية في اليمن، وصلت إلى قناعة تامة بأن هذه الاتفاقية هي الخيار الوحيد من أجل مستقبل اليمن، وإخراج البلاد من تأثيرات أزمتها وتداعياتها، وإبعادها عن المظاهر المسلحة، من أجل الالتفات إلى البناء والإعمار.
إن الأشهر الثلاثة المقبلة، تتطلب من جميع الأطراف، الالتزام ببنود الاتفاقية، ريثما تتم الانتخابات الرئاسية التوافقية المبكرة، التي تنص الاتفاقية على أن يُنتخب فيها عبد ربه منصور هادي رئيسا لمدة سنتين، يتم خلالهما إجراء حوار وطني شامل لحل مشاكل اليمن الكبيرة، لتنتهي هذه المرحلة بانتخابات رئاسية وبرلمانية عامة، ما يعني أن الالتزام الجمعي هو أكبر ضامن للنجاح.