تشهد الساحة اليمنية هذه الأيام جدلاً سياسياً وإعلامياً ساخناً بين قوتين رئيسيتين الأولى تطرح الفيدرالية كبديل عن الدولة الاندماجية القائمة في الوقت الراهن وتسعى عبر تحالفاتها داخل مؤتمر الحوار إلى إقرار النظام الفيدرالي وتضمينه في الدستور الجديد.. أما القوة الأخرى فتتمسك بالوحدة الاندماجية وتعتبر ان (فدرلة اليمن) هي مقدمة لانفصاله وإعادة تفتيته وتقسيمه إلى عدة دويلات قبلية متصارعة ومتناحرة على غرار ما حدث في الصومال الذي تمزق إلى عدة كيانات.
والثابت ان من يطرحون الفيدرالية كمشروع لإنقاذ اليمن وتخليصه من أثقاله التي أرهقته أو من يتقاطعون مع رؤى هذا المشروع ويحذرون من مخاطرة على وحدة البلاد يتفقان على أن الانسدادات التي مر بها هذا البلد منذ نشوء دولته المعاصرة في عقد الستينيات من القرن الماضي قد كبلته سلسلة طويلة من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتي باتت في مجموعها تشكل إرثاً ثقيلاً يصعب الخلاص منه دون إصلاحات جوهرية وجذرية عميقة.. إلا انهما يختلفان في توصيف الحل والعلاج فالأصوات المنادية بالفيدرالية وغالبيتها ينتمي إلى المحافظات الجنوبية تؤكد على أن أي حلول أخرى غير الفيدرالية إنما ستدفع بالبلاد إلى منحنيات خطيرة وصراعات جهوية ستكون عواقبها وخيمةً على اليمن والمنطقة بأكملها.
ولاريب ان هذه القوى على اختلاف نظرتها للفيدرالية صارت على قناعة بان قيام نظام فيدرالي بين الشمال والجنوب بحدودهما قبل عام 1990 م هو الخيار العقلاني لتصحيح مسار الوحدة بين الشطرين وإحداث التوازن في إدارتها عن طريق تقاسم السلطة والثروة والمنافع بعيداً عن تغول الدولة البسيطة ومنهجيتها القائمة على الإقصاء والاستعلاء والتهميش.. إلا انه وعلى النقيض من تلك الصورة الوردية التي يطرحها المنادون بالفيدرالية فإن الكثير من اليمنيين يبدون تخوفاً شديداً من مشروع الفيدرالية والذي يرون فيه فخاً للإيقاع بوحدة بلادهم كما حدث في السودان الذي انفصل جنوبه عن شماله وكما يحدث اليوم في العراق من تشرذم وتمزق وكذا ما يجري في ليبيا التي تتجه نحو التشظي إلى ثلاث فيدراليات
ومثل هذه المخاوف تبدو منطقيةً نظراً لتعقيدات الوضع في اليمن والذي تحمل مشاهده أكثر من وجه إذ انه في ظل وضع كهذا من الطبيعي أن يساور اليمنيين القلق على وحدتهم خصوصاً وهم يرون أن من هربوا إلى الوحدة الاندماجية عام 1990م هم اليوم من يهربون منها.. وان من أصرّوا على ان لا تخضع هذه الوحدة لأي تدرج هم من يمولون الآن الانتفاضة عليها.. وان من كانوا يتغنون بها بالأمس هم من يناضلون هذه الأيام من أجل تقرير المصير وتحريض أبناء المحافظات الجنوبية على العصيان المدني وإقلاق الأمن والتمرد على النظام والقانون كما يغدو هذا القلق مشروعاً إذا ما ظهر هناك من يرى في مشروع الفيدرالية خطوةً استباقية تمهد لفك الارتباط بين الشمال والجنوب وفرض الانفصال بأقل التكاليف.
- صحيفة الرياض السعودية :