قبل أعوام شاءت الأقدار أن أعود إلى عملي حينها في مدينة عدن مع أحد الإخوة المقاولين الكبار «كانت بمثابة تعبيره» لعدم وجود سيارتي التي كانت وسيلتي في تنقلي لتغطية الأحداث والفعاليات الصحيفة.. وبعد التعرّف عليه دفعني فضولي الصحفي إلى أن أناقش معه حال أحد المشاريع التي قامت شركته بتنفيذها؛ إذ لحقت مشروعه تشوهات نتيجة الافتقار للجودة.. أي بمعنى أوضح أن عملية التنفيذ لم تتم وفقاً للمواصفات والشروط التي دائماً ما ترد في قواعد وأسس وشروط المناقصات.
ولكون المشروع أخذ في التشقق وبدأت عليه التعرية في زمن قياسي قصير، فقد بادر إلى سرد الكثير من المبررات التي يراها أنها منطقية لإنجاز المشروع دون التقيد بالمواصفات اللازمة والمطلوبة.. ومنها أن تسعيرة المتر أو الكيلو مثلاً مائة ألف للمتر.. أو عشرون مليون للكيلو.. إلا أن ثلث ذلك المبلغ تقريباً وربما أكثر منه يذهب هنا وهناك وإلا راح المشروع عليه وحكى قصة تصريف تلك النسبة.. الأمر الذي ينعكس سلباً على جودة المواصفات والجوانب الفنية لتنفيذ المشروع.. إذ أن ما يتقدم به المقاول وفقاً للكلفة الدقيقة والصادقة والأمينة لا يتم اعتمادها.
بادرته بتوجيه اللوم عليه لمشاركته في فساد المشروع باعتبار أن عدم التقيد بتنفيذ الشروط الواردة في المناقصة إخلال بالأمانة.. تأثر لذلك الطرح وأجاب: هناك عمال وموظفون في الشركة التي أديرها.. وهناك التزامات لهم ولغيرهم إذا لم أوافق على التسهيلات لرسو المناقصة على شركتنا فمن أين أواجه التزامات العمال والموظفين؟.. إلى جانب ما تقتضيه حاجة تشغيل وصيانة المعدات.. بمعنى أن أقبل بما يُفرض لتمرير الموافقة أو الرفض وتُحرم الشركة من المشروع.
طبعاً طرحه الذي ساقه لم يكن مقنعاً لي شخصياً لإيماني بأن ما سرده يخل بأمانة المسئولية التي يتحملها كمواطن يمني أولاً وكرجل أعمال ثانياً، مع قناعة الكثير من الناس الذين يشاهدون ويلمسون خيانة الأمانة لدى البعض ممن يتولّون تنفيذ مشاريع عامة، أكانت منشآت تعليمية أو صحية أو طرقات وغيرها.. والشواهد على ذلك كثيرة من تلك المنشآت والمشاريع التي تصدعت بعد فترات وجيزة من تنفيذها.
كان هذا قبل أعوام حين كان البعض يخشى من الرقابة.. ومن النقد، أما اليوم فلا حول ولا قوة إلا بالله فبعض المشرفين الذين يمثلون الجهات المعنية بالرقابة والإشراف الفني على تنفيذ بعض المشاريع يظهرون لك ما لا يبطنون، بل إن بعضهم صار كتابع لهذا المقاول أو ذاك.. لفقدان مبدأ الثواب والعقاب والمساءلة والمحاسبة ناهيك عن غياب أو فقدان الضمير والأمانة.
هذه الأيام نُشهد الله على من ماتت ضمائرهم ونُشهد الله على خيانتهم للأمانة ونُشهد الله على تقاعس الجهات ذات العلاقة في أداء مسئولياتها في الحفاظ على الحد الأدنى من المحاسبة والمكاشفة.. وملاحظة لابد منها في تناولنا هذا وبشكل مطالبة للجهات الإشرافية أن تحرص على اختيار المشرفين الأكفاء ومن ترى فيهم النزاهة والحرص على المصلحة العامة.. كون من لا يهمهم الصالح العام صاروا أكثر.. وفاسدو الضمائر وإن كانوا قلة إلا أن داء تأثيرهم كبير وخزينة الدولة هي موارد كل مواطن مساهم فيها والحرص على سلامة توظيفها بصورة سليمة وآمنة مسئولية سيُحاسب عليها كل صاحب ضمير أو من فقد ضميره.
والله من وراء القصد.