تواصلت ثقافة التعايش الملغوم مع حروب دولتي الشمال والجنوب السابقتين على الوحدة اليمنية، وحتى لحظة إشهار الوحدة المقرونة بتعددية سياسية حالمة عند البعض، ومُخاتلة في العمق لدى المُنخرطين في الثقافة السياسية النمطية، ولقد تاق النظام دوماً لتذويب مفاعيل التعددية السياسية، فلم يقدر على ذلك, بل إن من المفارقات المثيرة في تاريخ الحركة السياسية اليمنية المعاصرة أن النظام صُدم في ذروة أيام الانتفاضة الشبابية الشعبية حين اكتشف على حين غفلة من الدهر أن قطاعاً واسعاً من أعضاء حزبه وحلفائه كانوا بمثابة كتل سياسية متراصة داخل حزبه بالذات، وهو الأمر الذي قد نجد له موازيات غير معلنة حتى اللحظة، وخاصة في إطار حزب الإصلاح الذي يتمظهر بوصفه المُعبر عن تيار الإسلام السياسي، لكنه قد يتجاوز ذلك ليعبر عن أبعاد اُخرى غير مشابهة لحالة الإسلام السياسي الاستيهامي الأيديولوجي في بعض البلدان العربية.
ومن عجائب الدهر أيضاً أن النظام التونسي على عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي اتَّسم بثقافة بوليسية مُقطَّرة، وهذه الثقافة بالذات انتشرت بمتوالية صاعدة، فاختلط فيها المعقول باللا معقول، ووصلت إلى قمة السلطة لتكون الحسام البتَّار الذي أفقد رأس النظام توازنه بعد اندلاع المظاهرات الشعبية، وهكذا انقلبت مؤسسة الجيش والأمن على صانعيها، وسقطت تجربة الليبرالية البوليسية الفردية التونسية، لنقرأ سيناريوهات غرائبية تُفسر لنا كيف غادر زين العابدين البلاد في ليلة ليلاء، ودون أن تُراق قطرة دم واحدة، وكيف أُصيب مستشاروه بالخوف والهلع وهم ينصحونه بالمغادرة مع أهله الأقربين، وكان ما كان مما قرأناه، فقد أصبح وصول الرئيس وحاشيته إلى مطار تونس الدولي ضرباً من المغامرة الافتراضية المُسيَّجة بقدر كبير من الفوبيا الأمنية غير المنطقية.
Omaraziz105@gmail.com