نتيجة لما آلت إليه انتخابات 1993م البرلمانية بعد تحقيق وحدة الأرض اليمنية، ولموقفي من السياسة التي تعاملت بها بعض قيادات الحزب الاشتراكي مع تلكم الانتخابات، تقدمت باستقالتي من الحزب الاشتراكي إلى الصديق -قبل الرفيق- الشهيد جار الله عُمر.. وكتمت الأمر ولم أعلن عنه، حتى لا يعتقد البعض أني أزايد أو أبحث عن موقع في مائدة الحزب المنتصر ومغرياته -المؤتمر الشعبي العام- الذي لم تربطني به ولا بحزب آخر استمارة أو بطاقة عمل حزبي حتى اليوم..
كتمت الأمر وظل محصوراً بيني وبين الشهيد جار الله عُمر الذي فشلت صداقتنا والاحترام المتبادل وتقديري الكبير له في إقناعي بالرجوع عما أقدمت عليه، كما فشل العزيز علينا جميعاً المرحوم مالك الإرياني بعد أن كلفه جار الله بزيارتي إلى اتحاد الأدباء اليمنيين الذي كنت أشغل موقع نائب أمينه العام ورئيس فرع صنعاء، ولهذا فإن الرفيق يحيى منصور أبو أصبع، عندما عزم على ترتيب وضع الحزب الاشتراكي في العاصمة صنعاء، في الأيام الأولى للحرب المشؤومة عام 1994م التي جعلت القيادات العليا للحزب تغادر صنعاء أو تحتجب، قد رتب لاجتماع حزبي دعاني إليه، وتم عقده في منزل الرفيق الدكتور يحيى الحيفي، على أساس أني مازلت عضواً في الحزب ولجنة العاصمة.. فحضرت الاجتماع ولم أُشعِر الرفيق يحيى بأني قد قدمت استقالتي من الحزب إلاّ بعد الانتهاء من المهمة التي بادر إليها مشكوراً، فتفهم موقفي بلطفه المعهود..
تركت الانتماء الحزبي لموقف أشرت إليه، وتمرد طبيعتي على الانضباط الحزبي وقيوده والتزاماته، وأعتقد أن هذا الإيضاح يكفي، لمن نَمَا إلى مسمعي أنه أنقذني في مجلس ما -عن غير علم ودراية- بأن كتاباتي كقصائدي السياسية يغلب عليها في أحايين كثيرة طابع الانتماء الحزبي.. وهو انتقاد إن لم يكن عن غير علم، فهو نابع من البحث عن مصوّغ أو مبرر غير منطقي، شأن صاحبه شأن ذلك الذي ينتقد الواقع المعاش ومحبطاته، ومشاكله، ويعيد الأسباب جميعها إلى من يصفهم ببقايا النظام السابق، مع أنه إن لم يكن الممثل الرسمي للنظام السابق المعتمد لدى النظام الجديد، فهو البقية الباقية للنظام السابق، في موقع القرار والفعل، ومن لو استبعدوا أمثاله من الوضع الجديد لوجدنا النظام السابق، يهيم على وجهه في الشوارع والطرقات وهو يغني بقول الشاعر البهاء زهير:
“لم يبق منِّي إلاّ بقيةٌ ليس تبقى”
أي لم يبق منه إلاّ صغار الموظفين والضباط، من لا تأثير لهم ولا مقدرة على اتخاذ قرار على مستوى الإدارة أو القسم، أو الصلاحيات المسموح لهم إدارياً بممارستها.
عجبي ممن يشكو الحال، ويبدي مقدرته على معالجة الأوضاع والاختلالات جميعها.. لولا بقاء رموز النظام السابق، مع أنه -والذين هرولوا معه- هم من أبقى على النظام المشار إليه، ابتداء بتجشم أعباء السفر والذهاب للتوقيع على المبادرة الخليجية.. حباً في ما كفلته من تشارك في اقتسام الكعكة، وكان بمقدورهم -إن كانوا حقاً أصحاب مشروع ويخشون الضغط الدولي- أن يوحوا إلى المعتصمين الذين كانت الساحات تزخر بهم يومها، أن يمنعوهم من السفر للتوقيع على المبادرة، بالاعتصام في كل الطرق المؤدية إلى المطارات والمنافذ المختلفة، بل إنهم تجاهلوا الشباب في الساحات ولم يأخذوا حتى رأيهم في التوقيع من عدمه..
لا عجب في ذلك ما دام في الأمر لعبة ومصلحة ونفعية، مارسها على من في الساحات رموز الوجه الآخر من النظام السابق، فإذا ما استثنينا الرئيس عبدربه منصور هادي الذي دفعه إلى السلطة دفعاً توافق شعبي تصدَّره عامة الناس وبسطاؤهم، قبل الساسة والتكتلات الحزبية.. لما وجدنا وجهاً جديداً لم يكن من رموز النظام السابق «فهم من كانوا يعملون معه من نائب رئيس وزراء ووزير وقائد كبير أو صاحب نفوذ لا حدود له أو برلماني دفع به النظام السابق وحشد كل إمكانياته ليكون صوتاً له في البرلمان.. إلخ».
لا عجب في ذلك، بل العجب أن نجد رموز النظام السابق، تشكو النظام السابق، وتعيد إليه كل محبطات البلاد والعباد، ومصائب القوم؟! متناسين أن الشباب لم يخرجوا ويندفعوا ويقدموا على التضحيات، إلاّ رغبة وقناعة في التخلص من محبطات نظام كانت تلك الوجوه التي نعنيها هي رموزه وجزءاً من مكوناته الهامة.. فعلى من تكذب تلك القوى وهي تبرر عجزها وفشلها برموز وقوى النظام السابق..
النظام السابق ليس مدير الإدارة ورئيس القسم والموظف والضابط الصغير، بل هم من كانوا من عتاولته، وكُتبَ على هذا الشعب أن يشقى بهم مرتين.. فهل نتوقع للشارع اليمني أن يخرج هائماً مردداً بأعلى صوته، مخاطباً المنعَّمين سابقاً ولاحقاً بقول البهاء زهير أيضاً:
“يا أنْعَمَ الناس، قُلّ لي إلى متى فيك أشقى”
أو يحرّف أغنية السيدة فيروز الشهيرة «يا عاقد الحاجبينِ .:. قتلتني مرتينِ» فتصبح «يا صاحبَ اللعبتين .:. قتلتني مرتينِ».