أنهيت قراءة خطبة الهندي الأحمر التاريخية الشهيرة وبكيت، خطبة «سياتل» زعيم هنود قبائل دواميش واسكواميش التي كانت في الشمال الغربي الأمريكي، ألقاها سنة 1854م أمام إسحق ستيفنز، حاكم مقاطعة واشنطن في حفل استسلامي ضخم بعد أن دعاهم الرئيس الأمريكي حينها - إثر هدنة كان من الواضح أنها لن تستمر طويلاً - لبيع أراضيهم والسكن في تجمعات أو استعمال القوة لاقتلاعهم كلياً؛ تفاقمت المذابح واستسلم السكان الأصليون بعد فترات طوال من المقاومة التي أنهكتهم في مواجهة جيوش الغزاة العملاقة ذات التسليح النوعي.
قبل سنين قرأت لأول مرة تلك الخطبة ومازلت أعود إليها لعديد أسباب وجدانية؛ تُعد الخطبة الخالدة واحدة من أهم وثائق الشعوب على هذه الأرض، إنها من أروع ما تبقّى من أدبيات الرجل الأحمر الذي سحقته آلة الرجل الأبيض، تتضمّن دلالات إنسانية اجتماعية وسياسية وثقافية وفلسفية عميقة تهز كيان قارئها، وتفضح البربرية التي قامت عليها أمريكا..!!.
كان الشاعر محمود درويش من أروع الذين استلهموا روح الخطبة إياها في قصيدته «خطبة الهندي الأحمر ما قبل الأخيرة أمام الرجل الأبيض» وأنا في صميم أحاسيس الزعيم “سياتل” ومواجع الهندي الأحمر المخذول تماماً؛ شعرت بأرواح الهنود الحمر الغرباء تحوم حولي؛ أن ذلك الاقتلاع الرهيب من أراضيهم بالترهيب والبطش أو بالترغيب والبيع لا أقسى منه على جماعة كان كل ما تملكه هو ارتباطها الروحي بالأرض، بكل ما تعنيه كلمة الأرض من قيمة ومعنى ودلالات طبعاً.
تلك الخطبة يجب ألا تنساها الشعوب، يجب أن يتذكّرها المرء على الدوام ليفهم الأعماق الحضارية كما ينبغي.. طبعاً لا يمكن إيجادها في أي موقع على «الشبكة».
fathi_nasr@hotmail.com