ـ زيد: الحمد لله على زوال المحنة.
ـ محمد: بل الحمد لله على وقوعها.
ـ زيد: لماذا..؟!.
ـ محمد: لأنها عرّفتني أن في البلاد رجالاً من أمثالك.
هكذا اُستهل الحديث بين العلامة زيد بن علي الديلمي، رئيس الاستئناف والمحكمة العليا ـ يوم ذاك ـ وبين الشاعر والثائر محمد محمود الزبيري، كما أرويه عن والدي ـ رحمهم الله جميعاً.
أما المناسبة، فكانت زيارة محمد محمود الزبيري، لزيد بن علي الديلمي ليشكره على مخالفته ومعارضته للإمام يحيى حميد الدين ـ رحمه الله ـ عندما وجّه بسجن الزبيري وتفتيش منزله، وكيف واجه زيد الديلمي غضب الإمام عليه.
هل نقول: إن لكل شيء سلبياته وإيجابياته، حتى المحن والشدائد، مستنبطين ذلك من الحوار القصير المشار إليه، وأن المحن والشدائد بل والكوارث قد تبرز من الرجال من يتميّزون بمواقف نبيلة ومن تفخر وتعتز بهم شعوبهم، ومن يجعلون منها حافزاً لتجاوز السلبيات والمُحبطات والانتقال ببلدانهم وشعوبهم إلى الرفعة وما هو أفضل..؟!.
وأولئك الرجال موجودون كشواهد تاريخية في كثير من بلدان العالم، فهل نتوقّع من محنة وشدّة تمر بها بلادنا اليوم أن تبرز قيادات عظيمة قادرة على إخراجنا مما نحن فيه، والسير بنا نحو ما نصبو ونتطلّع إليه، فنقول الحمد لله على وقوع المحنة..؟!.
إن جميع قيادات الأطراف المعنية ـ بلا استثناء ـ أمام محكٍّ عملي خطير ومهم يتعلّق بمكانتهم الاجتماعية والسياسية والتاريخية أمام الشعب اليمني وأجياله القادمة.
نؤكد ذلك ونجزم به، وتحديداً عندما نجيب عن السؤال القائل: هل يستطيع اليمانيون احتمال استمرار الوضع الذي صار إليه حالهم ووطنهم، وما هو الحال إن تفاقم الوضع وزاد سوءاً..؟!.
الدماء تنزف، الاغتيالات تتزايد، الاختطافات تتشعّب، ووراء ذلك دوافع عدّة منها ما هو استهداف للدولة وما هو سياسي انتقامي، وما هو مذهبي وسلالي وما هو اجتماعي له رواسبه المقيتة والمتخلّفة عن العصر ومفاهيمه ومستجداته.
الرأسمال الوطني يشعر بالخوف والقلق، ولمعرفة ذلك يكفي تقرير واحد لجهة مختصّة يشرح بالأرقام ما تجمّد وتوقف من أنشطة القطاع الخاص الاستثمارية والاستيرادية، ومعيقاته الناتجة عن اختلالات أمنية، أما بالنسبة لما يعانيه من إحباطات ومشاكل من تعودوا على ابتزازه وإيذائه بطرق مختلفة، فيكفي أني سمعت من أحد رجال الأعمال شكوى مُرّة جعلتني أقول: المال نعمة وزينة من زينات الحياة إلا في اليمن، إنه يتحوّل إلى نقمة على أصحابه، ولهذا لا نستغرب عزوف الرأسمال الأجنبي وشروع الرأسمال اليمني في نقل مصالحه إلى الخارج وإفلاس الكثير من المقاولين اليمنيين.!!..
حالة الناس المعيشية ومستواها لا تخفى على أحد، وليست بالغائبة عن تقارير الهيئات والمنظمات الدولية وهي تشير إلى خطوط الفقر والفقراء في اليمن حتى بلغ الأمر بوصفها بـ«المرعبة» وهذا ما جعلني أصدّق من قال لي قبل أيام إن الوفيات الناتجة عن نقص الغذاء وغياب الدواء بدأت تظهر من تهامة حجة أو الجزء الشمالي من تهامة اليمن، وهي المنطقة التي اعتدنا على أن تبدأ منها مآسي المجاعات.
جنودنا صاروا عُرضة للقتل بالهجمات الخاطفة والكمائن والتفجيرات وخاصة في المناطق التي ابتليت بنهم المتعطشين إلى الدماء والهيمنة، واستباحة الآخر، وهذا ما تغنينا الأخبار اليومية ـ الرسمية ـ عن التوسُّع في الحديث عنه أو التدليل عليه جميعنا من المسؤول إلى المواطن، من كبيرنا إلى صغيرنا، لا ينكر محنة تمرُّ بها البلاد، فهل نجعل منها النار التي تختبر معدن الذهب وتبرز لمعانه وتؤكّد صلابته وتشكّله بما هو أجمل وأفضل..؟!.
إن لدينا الكثير من القيادات المتصدّرة للمشهد السياسي الرسمي والعمل الحزبي والجماهيري، وهناك في أوساط الشعب من يضعها أمام المحك العملي في التعامل مع واقع هذه المحنة، مؤمّلاً بروزها كمعدن الذهب الذي تُبرز أصالته النيران.
هل نتوقّع أن تُبرز منهم هذه المحنة كقادة كبار يمتلكون المقدرة على التلاحم مع الجماهير، ويخرجون البلد من أخطر أزمة ومحنة يمرُّ بها، ويضعون بصدقهم وعزمهم وأهدافهم النبيلة الحد الفاصل بين ما هو خير وما هو شر، وأن يجعلوا من هذه العثرات محطّات انطلاق نحو بناء اليمن الجديد السعيد الذي نحلم ونتغنّى به، اليمن المعتمد على نفسه المؤثّر في محيطه، الضامن لمستقبل أجياله القادمة، وأن يأتوا لشعبهم وأمتهم بما يجعلنا نقول: الحمد لله على حدوث أزمة ومحنة أفرزت قادة كنّا في أمسِّ الحاجة إليهم.
علينا ألا تحبطنا المحنة التي نمرُّ بها، وألا تدفعنا إلى اليأس والقنوط، بل أن نتفاءل بقادة كبار يخرجون من رحمها، وهذا ما زاد إيماني به وأنا أشاهد الرئيس المصري المشير عبدالفتاح السيسي الذي أفرزته محنة حلّت بشعب مصر العظيم، يستهل الشهور الأولى لتولّيه زمام القيادة بخطوات جبّارة عملاقة، والإقدام على إنجاز مشروع قناة السويس الثانية، الذي فتحه أمام الاكتتاب الشعبي، وسيضاعف من دخل مصر القومي ويفتح فرص عمل أمام مليون يد عاملة.
إنها الشدائد والأزمات والمحن التي تظهر عظمة وقوّة الشعوب الخلّاقة، ويخرج من رحمها قادة كبار، واليمن ليست بالعقيمة، والشعوب لا تحتاج إلى أصدقاء كبار، بل قادة كبار.
فيا قادتنا إنكم أمام اختبار المحك العملي لاختبار مدى حبّكم لوطنكم وإخلاصكم لشعبكم.