ليس هناك في حياة المرء ما هو أثمن أو أغلى من حب الوطن، فالوطن كيان وهويّة ووجود لأي إنسان ودونها لا يمكن أن يوجد للمرء كيان ولهذا تنصب أمام المرء جملة من الثوابت والضوابط التي يجب أن يلزم ويتقيّد بها.
فالولاء للوطن بعد الله والحفاظ على نظامه الوطني الجمهوري والدفاع عن الوحدة والسيادة والاستقلال من أبرز تلك الثوابت الوطنية، كما أن تمثُّل الفرد بصفة خاصة أو مجتمعية وتقيّده بالضوابط القانونية والنظم المقرّة في إطار منظومة الدولة والتي تحدّد مسؤولياته وواجباته؛ تعتبر من الضروريات والمسلّمات التي لا يمكن القبول وتحت أي ظرف من الظروف التقاعس أو التنصل من الوفاء بها لاعتباراتها الضرورية والحياتية؛ كون حدوث ذلك يخلُّ بمسار الحياة للفرد ويقود في نهاية المطاف إلى الإخلال بمكوّنات ومسار حياة المجتمع.
فمن الواجبات المسلّم بها أن يؤدّي الفرد كل مهام منوطة به دون الإخلال بمنظومتها وفي طليعتها ما يتعلّق باستقامة الأمن وإخفاق مبدأ العدل والتقيُّد بالنظام باعتبار هذه المهام أساسية وضرورة لابد منها، وما يعني الفرد هنا ذاته يعني المجتمع.
ومن الواجبات على الفرد وكذا المجتمع الحفاظ على منجزات ومكاسب الوطن باعتبارها جزءاً من هويته بل وتستوجب الضرورة أحياناً أن يكون في طليعة المدافعين عنها إذا ما أدرك أنها قد تتعرّض إلى الخطر أو المساس بها والوقوف صفّاً واحداً إلى جانب المؤسستين العسكرية والأمنية.
ولكون المصلحة العامة التي هي مصلحة الوطن أعلى وأثمن من المصلحة الخاصة إذا تجرّد الفرد عن الأنانية؛ فإن تجاوز أي خلافات بين هذا وذاك أو تنظيم وآخر تفرض ذاتها في مثل هذه الظروف التي يمرُّ بها الوطن وتقتضي ضروراتها أن يسمو كل منا فوق الصغائر، فالوطن يمر بمنعطف خطير ولابد علينا أن نعمل جاهدين وبكل مصداقية وحرص على أن نعبره بكل ثبات واقتدار علّنا بذلك ندرأ ما يواجهه من كبار المخاطر وصغائرها.
عبر هذه السطور المتواضعة والتي تصوّر جراحات وآلام الواقع التي لم تعد تستثني أحداً منّا والحبلى بالفواجع والأهوال التي يدرك مآلها كل منّا لا مناط لنا من أن نستشعر مسؤولياتنا وواجباتنا الأخلاقية والدينية والحياتية والوطنية، وأن يتجنّب قادة الأمة وفي طليعتهم قادة الأحزاب والتنظيمات السياسية وذوو الرأي والمشورة ومن يعنيهم مستقبل الأمة والوطن كل أسباب وتداعيات هذا الواقع والتموضع في دائرة إنقاذ الوطن ونبذ المماحكات والمحاصصات السياسية؛ كون الوقت والمرحلة التي يمرّان بهما الوطن لم يعدا يحتملان ذلك ولا يسمحان باستمراره لخطورة في مسارهما نحو المجهول.
بداية الأمل
حكومة الكفاءات برئاسة الدكتور خالد محفوظ بحّاح تمثّل بداية الأمل في عموم الوطن، فالرجل ـ وأعني هنا رئيس الحكومة ـ بدأ مهامه ومنذ الوهلة الأولى لتكليفه بتشكيل أو تأليف الحكومة الجديدة بديناميكية متفردة، وأطلّت ملامح توجهاتها بالطرق العملية والعلمية لبحث ودراسة الواقع ومعطياته، حيث اتخذت جملة من القرارات والإجراءات على صعيد البدء بالإجراءات المتعلّقة بحل كل من القضايا الاقتصادية والجنوبية وصعدة، ودون شك فإنها بذلك قد لامست الأولويات الضرورية لوضع حد للتداعيات الخطيرة التي لا يساورنا أدنى شك بأنها قد مثّلت بداية الأمل للخروج من حالة الركود والجمود التي شلّت أداء الاقتصاد الوطني وكذا حرّكت المياه الراكدة على صعيد قضيتي الجنوب وصعدة بما يجبر الضرر ويفوّت الفرصة على من لا يهمهم استقرار ورخاء وتقدُّم اليمن؛ وهو ما نتوقّع أن يكون في صُلب مهام الحكومة التي سيشملها برنامجها العملي الذي سيكون إلى جانب معالجات ما تقدّم الإعداد لإجراء الانتخابات المحلّية والنيابية والرئاسية بعد إقرار مشروع الدستور والاستفتاء عليه.
كما أن سعي الحكومة المبكّر لملامسة هموم واحتياجات الناس ومستلزمات استئناف دوران عجلة البناء والتنمية قد بدأت مؤشّراته من خلال التحرُّكات النشطة للعديد من الإخوة أعضاء حكومة الكفاءات إلى مختلف المحافظات؛ وهو تفرُّد لهذه الحكومة التي لا نشك أن برنامجها سيكون موفّقاً في وضع المعالجات اللازمة لأداء مهامها الكبيرة والجسيمة ولو في الحدود الأدنى، وتجدر بنا الإشارة إلى أن بحّاح قد أوضح أن استئناف دوران عجلة التنمية ولو بحدّها الأدنى أفضل من أن تظل مشلولة ولا أداء لها.
وإلى جانب ما تقدّم فإننا نتمنّى من حكومة المهندس بحّاح أن يرافق مسار عملها للمرحلة القادمة برنامج زمني لتصحيح الاختلالات التي شلّت أداء معظم أجهزة الدولة وفي طليعتها استئصال شأفة الفساد من بقية مرافق الدولة وزارات ومصالح ومؤسسات ووفق آلية محدّدة كونها إن توفقت بإنجاز ذلك وبصورة جادة سوف تعيد ولو جزءاً من الثقة المفقودة بين تلك الأجهزة والناس، كما أنها إلى جانب ذلك ستفرض هيبة الدولة؛ ولتكن قضية رد الاعتبار إلى المؤسستين العسكرية والأمنية في طليعة المهام الماثلة، وإن تحقّق ذلك فستكون قد وضعت حدّاً لحالة التدهور الاقتصادي والأمني والعسكري والإداري، وشعبنا سيكون العون والسند لها في كل خطوة جادّة، والوطن أغلى من كل شيء، والله نسأل لها التوفيق والنجاح.