لا يختلف اثنان في أن اليمن يعيش هذه الأيام زمناً صعباً ويقترب شيئاً فشيئاً نحو الكارثة مالم تحدث معجزة ويتدخل الأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي من أجل إنقاذ هذا البلد من حالة التآكل التي تتسع
يوماً بعد يوم بفعل حالة الانهيار لمؤسسات ومفاصل الدولة واستشراء عوامل الانقسام بين المكونات السياسية والاجتماعية واحتدام التوترات والصراعات الداخلية بين الفرقاء والتي عادة مايصاحبها تراكم في المشكلات وغياب للحلول أو بالأحرى غياب إرادة الحل والذي وإن كان موجوداً نظرياً لكنه يحتاج إلى من يحوله إلى واقع ملموس فمخرجات الحوار الوظني الذي استمر عشرة أشهر واختتم مطلع العام الحالي لم تجد طريقها إلى التنفيذ.. ولذلك بقيت الأمور على حالها حيث لم تسفر تلك المخرجات عن تهدئة الاحتجاجات المطالبة بالانفصال في الجنوب ولم تمنع الحوثيين من السيطرة على الشمال كما لم تؤد إلى تحجيم نشاط تنظيم القاعدة في الوسط ناهيك عن أنها التى لم تفض إلى انفراج يسهم في خلق فضاءات جديدة ومناخات من الثقه تسمح بانتقال هذا البلد إلى الوضع الآمن والمستقر.
كتبت غير مرة خلال الأشهر الماضية عن أن دول الخليج ستكون المتضرر الأكبر من حالة عدم الاستقرار في اليمن وعلى نطاق واسع فقد حذّر الكثير من مخاطر تدويل الأزمة اليمنية وخروجها عن النطاق الإقليمي على اعتبار أن ذلك سيتيح الفرصة أمام أكثر من طرف لفرض خياراته وأجنداته تبعاً لمقتضيات المصالح وتقاطعها على غرار ماحدث في العراق وسورية وغيرها من المناطق المشتعلة إلا انه ونتيجة لانشغال الدول الخليجية بالأزمات المتفجرة في أكثر من ساحة عربية فقد قلص ذلك من اهتمامها بالتهديد الأخطر الذي يشتعل في جوارها لتترك الساحة اليمنية لغيرها من القوى الإقليمية والدولية والتي سعى بعضها إلى ملء الفراغ الخليجي وذلك بإعادة تشكيل ورسم ملامح الساحة بما يخدم أهدافه وغاياته.
الأزمة في اليمن عكست طبيعة الصراع في المنطقة ومع ذلك يظل العنوان الأبرز لكل ماجرى ويجري يتمثل في ضعف وهشاشة دور الفاعلين السياسيين في هذا البلد وعدم جديتهم في ضبط إيقاع الأحداث والتحكم بها وهو الأمر الذي وفّر مناخاً ملائماً للتدخلات الخارجية التي لعبت على انقسامات المجتمع وانحسار دور الدولة لتشهد اليمن في ظل هذه الأوضاع المختلة الكثير من التحولات العميقة فقد برزت قوى واندثرت أخرى وتغيرت المواقع كما تغيرت التحالفات لتدخل البلاد في نفق من التعقيد والتشابك إلى الحد الذي يصعب تخليص الأجزاء من بعضها دون أن تأخذ جزءاً مما التصقت به.
وإذا ماسارت الأمور على المنوال الذي نراه اليوم فإن اليمن بشكله الذي عرفناه به لن يبقى طويلاً فهناك مؤشرات قوية على أن المعارك التي تدور على أرضه وداخل بيته المتصدع هي من قد تدفع به إلى حافة الفوضى والانزلاق في صراع مذهبي وطائفي خصوصاً مع تنامي نفوذ الحوثيين وتحفز الجماعات الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة لخوض مواجهة مفتوحة مع منافسيهم الجدد وتوظيف الخطاب الديني والمذهبي لاستمالة عواطف البسطاء في هذه المواجهة التي ستنقل الصراع في اليمن على صراع طائفي من الدرجة الأولى.
وتجاه كل ماسبق عرضه من الاحتمالات المستقبلية التي تواجه اليمن فإن دول مجلس التعاون الخليجي مطالبة بمواصلة التعاطي مع اللحظه الراهنة واجتراح الحلول التي تساعد اليمن على تجاوز محنته باعتبار أمن اليمن جزءاً لا يتجزأ من أمن المنظومة الخليجية وتلك حقيقة لا يمكن لأحد إنكارها أو القفز عليها.. أما على المستوى الداخلي فإن اليمن يحتاج إلى رشد من يستطيع أن ينجو بالقافلة لا من ينحر الإبل.
(الرياض)