وظيفة الإعلام -كما يحددها أساتذته وعلماؤه- توصيل المعلومة إلى الناس بمصداقية تامة، وشرحها أو التعليق عليها إذا لزم الأمر . وكانت هذه الآلة أو الوسيلة قد ظهرت على شكل صحف أسبوعية أو شهرية ثم أردفتها الاختراعات العلمية بالراديو الذي تمكن من إيصال المعلومة إلى المنزل، وبعده مباشرة ظهر التلفاز الذي جمع بين الصوت والصورة. ولم تتوقف الاختراعات عند هاتين الآلتين العجيبتين بل ظهرت بعدهما وسائل أخرى للتوصيل ونقل المعلومة وعن طريق هذه الوسائل الأحدث المرتبطة بالانترنت ، تمكن كل فرد يرغب في التوصيل أن يكون له إعلامه الخاص به ووسيلته الذاتية لنقل ما يريد أن يقوله في إطار ما سمي بمواقع التواصل الاجتماعي ، وبعد أن كان الإعلام حكراً على الدولة وأداة من أدوات انفرادها بالتوصيل صار عاماً وشاملاً ومن خلال هذا التوسع، وبسببه فقدت الآلة الإعلامية توازنها واحترامها للمتلقي.
إذاً فقد كان الإعلام - كما سبقت الإشارة- محدود الوسائل والانتشار، وكان لفترة طويلة في قبضة الدولة - أية دولة- تسخّره للحديث عن إنجازاتها الاقتصادية والاجتماعية ، لكنه تحوّل الآن إلى غابة واسعة المدى ، غابة تضم الطيب من القول والرديء منه، تضم الورد والشوك، والحَمام والثعابين ، الرؤى الواعية المتوازنة والكلام المنطلق على عواهنه لا يوصل معلومة، ولا يلتزم بفكرة أو يدافع عن قضية . وفي وسط كهذا سادت الفوضى وضاعت المعايير ، وتراجعت الإيجابيات واتسعت دائرة السلبيات ووجد العابثون طريقهم إلى تشويه هذه المنجزات العلمية من خلال إساءة استخدامها ، وسقوط بعض المواقع والصحف في مستنقع زراعة الكراهية ونشر التعصب والخروج عن أبسط المبادئ التي قامت عليها الآلة الإعلامية في بداية ظهورها ولعقود طويلة بعد ذلك الظهور.
وحتى لا يجانبنا الإنصاف فلا بد أن نشير إلى أن هناك وسط هذا الزحام الإعلامي أصواتاً صحفية ، وفسبوكية صادقة ونقية، تلتزم جانب الحقيقة وترفض الدخول في دائرة الفوضى غير الخلاقة ، فوضى الاندفاع وراء اختلاق الأكاذيب والمزاعم والمساس بالقضايا الكبرى والاعتداء على الثوابت الأخلاقية والوطنية وهذا الجانب المضيء والنقي في الإعلام العربي هو الذي يحافظ على البقية الباقية من القراء والمستمعين والمشاهدين والمتابعين لمواقع التواصل وإذا كان هناك خوف على هذه الأصوات والنماذج الملتزمة بالمصداقية وكرامة المهنة والكلمة فإنما يأتي من اشتداد هجمة تيار الفساد الضارب أطنابه في أكثر من وسيلة إعلامية ، وما يجر إليه من انطباق المثل السائد «العملة الرديئة في السوق تطرد العملة الجيدة!!».
وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن واقعنا الإعلامي -رغم الظواهر الشاذة التي بدأت تظهر عبر وسائل التواصل الاجتماعي خاصة- ما يزال في خير، وبعض المنابر الصحفية الرسمية والخاصة ما تزال حريصة على توصيل المعلومة كما هي وترفض الانجرار وراء الإثارة الوقتية والاستجابة لنشر الموضوعات الملتهبة واختيار العناوين الصارخة. وأتمنى أن تستمر على هذا النهج ، وأن يكون إعلامنا إعلاماً لا «برويقندة» أي «دعاية» كما تترجم الكلمة الأجنبية، وأن يعي هذا الإعلام الوطني وظيفته جيداً كوسيلة وعي وتعريف بالمشكلات التي يعاني منها إنسان هذا الوطن وتحديد معالم السبيل الأمثل إلى تحريره من وطأتها لينطلق ثابتاً متماسكاً إلى البناء غير ملتفت لتلك الأصوات والصور المشوهة التي تسعى إلى تدمير نفسيته والتحكم في ما يمتلكه من حواس السمع والبصر. ونحن في هذا البلد الذي أصابه التخلف في الصميم أحوج ما نكون إلى إلتزام أخلاقي إعلامي حتى لا يتم استنفار الرغبات المكبوتة لدى البعض وخروجها من مكامنها المظلمة.
ريّا أحمد في مجموعة قصصية جديدة:
عن دار الرافد في الشارقة صدرت المجموعة الجديدة للقاصة المبدعة ريّا أحمد. عنوان المجموعة «وكأنني... أنا» وتضم 14 قصة تتفاوت في مساحاتها بين قصيرة وطويلة لكنها لا تتفاوت في لغتها الراقية وبنائها الفني، وتشكّل بداية مرحلة جديدة في تجربة ريّا وكتاباتها السردية المتطورة.. وتقع المجموعة في 143 صفحة من القطع المتوسط.
تأملات شعرية:
لم يعد يا رفيقي
مكانٌ لنعبره فوق هذي البسيطةِ
أو حولها
بعد أن أوصلتنا السياسة قهراً
إلى حافة المستحيلْ.
لن نعود إلى حيث كنا
ولن نستطيع المضيّ إلى حيث نرجو
فقد شاختِ الرغبات
وغام الطريق
وغاب الدليل !
"الثورة