في ظل تفاعل وتطور الأحداث التي تشهدها الشقيقة مصر والتي دخلت يوم أمس تحولاً جديداً وصفه البعض بالجمهورية الثانية، فإن ما نعتقده ونؤمن به أيضاً، أن ما جرى ويجري في هذا البلد الشقيق، أمرٌ يخص أبناءه، وأن ما يقرره ويختاره الشعب المصري لنفسه كما ذكرنا يوم أمس يجب أن يحترم باعتباره شأناً داخلياً يتصل اتصالاً وثيقاً بإرادة هذا الشعب الشقيق، الذي إذا تحرك فإنه يتحرك وفق ما تمليه عليه خياراته الوطنية، ولا ينبغي لأي طرف إقليمي أو دولي أن يتدخل في شؤونه.
وانطلاقاً من العلاقات الوثيقة والتاريخية التي امتزج فيها الدم اليمني مع الدم المصري على أرض اليمن في معارك الدفاع عن الثورة اليمنية، لا نستطيع إلاّ أن نكون إلى جانب هذا الشعب الشقيق وأمنه واستقراره وتطلعاته وآماله وخياراته الوطنية، وذلك لاعتبارات عدة أهمها أن خصوصية العلاقات بين أبناء الشعبين الشقيقين في اليمن ومصر ظلت تمثل أنموذجاً رفيعاً وراقياً للعلاقات بين الأشقاء، وثانياً لقناعتنا الراسخة بأن أمن واستقرار مصر يمثل ركيزة هامة وأساسية للأمن والاستقرار العربي برمته ومنه أمننا واستقرارنا الوطني الذي يؤثر ويتأثر بأمن أشقائه، وثالثاً لإحساسنا وشعورنا الذي لا يتزعزع بأن تجاوز الأشقاء في مصر لظرفهم الراهن في أسرع وقت ممكن فيه مصلحة كبيرة لمصر وأشقائها على حد سواء.
حيث وأن مصر تمثل إحدى قلاع الأمة التي لا غنى عنها في هذه اللحظة التي تمر فيها أمتنا بمنعطف تاريخي يضعها أمام مفترق طرق.
ومن هذه المرتكزات الصلبة والثابتة التي تستند إليها العلاقات بين الشعبين الشقيقين اليمني والمصري فإن ما نأمله ونتمناه، هو أن يبدأ الشعب المصري منذ هذه اللحظة مرحلة جديدة تتحقق فيها كل تطلعاته وخياراته في الحرية والديمقراطية والأمن والاستقرار والتقدم والازدهار بعيداً عن أي تدخلات خارجية وبعيداً عن المتربصين بوحدته الداخلية، وبمنأى عن مثيري الفتن وكل المحاولات التي من شأنها زعزعة الثقة بين نخبه وشرائحه وطوائفه، وكل المرامي التي لا تريد لهذا البلد الشقيق الخير والصلاح والحاضر الآمن والمستقر.
ولا نشك قطعياً في أن الأشقاء يدركون جيداً الظروف الزمانية الصعبة التي تشهدها المنطقة العربية والتي تسعى إلى إظهار أقطار هذه الأمة بصورة مبعثرة ومبتورة عن بعضها البعض، إن لم يكن إظهار هذه الأمة على نحو تبدو فيه مكسورة الجناح، عاجزة عن التعاطي مع قيم العصر الجديد وتحولاته وتوجهاته، حتى وجدنا أن هناك من أراد إخراج ما جرى في مصر وقبلها في تونس من مضمونه الوطني وخياراته الداخلية واختزاله في إطار هجمة عالمية نقلت المعركة من أوروبا الشرقية إلى المنطقة العربية، وكأن هذه الأمة بمكانتها الحضارية والروحية والتاريخية والثقافية والاقتصادية لم تبلغ النضج، أو أنها ما تزال قاصرة وشعوبها بحاجة لمن يعلمها كيف تمارس حياتها، أو لمن يدلها على الوسائل لصنع تحولاتها.
وقد بدا هذا الاستغلال واضحاً في تلك الانتهازية الصرفة لبعض القوى السياسية سواء داخل المنطقة العربية أو خارجها، والتي لم تتورع عن الإيحاء بأن ما جرى في البلدين الشقيقين إنما هو صدى لبريوسترويكا جورباتشوف أو لأحداث أخرى، وأنه ليس أمام شعوب هذه المنطقة سوى التسليم لهذه الرياح العاصفة من دون أن تسمع تلك القوى الانتهازية والمتربصة حناجر الشباب، التي ظلت تهتف بمطالبها سواء في ميدان التحرير بالقاهرة أو ساحة بورقيبة في تونس، وهي ترتفع بصيحات الرفض لكل دعوة تصور ما جرى وكأنه خارج الإرادة الوطنية للشعبين الشقيقين وبما يؤكد أن ما حدث في تونس ومصر غير قابل للتعميم على بقية المكونات العربية.
ولعل تلك القوى الانتهازية لم تشأ الإفصاح عن حقيقة أنها تسعى إلى تصفية حساباتها مع الواقع العربي، عن طريق تقديم هذا الواقع وكأنه في مواجهة مع بعضه البعض، مع أنه إن كان هناك نقاط ضعف تعتري هذا الواقع فإن السبب في الكثير منه يعود للمثبطات التي تزرعها هذه القوى التي نجدها دائماً تحبذ ركوب الموجة بعد كل حدث وليس قبله لأنها اعتادت استغلال كل حدث بالظهور وتقديم نفسها وكأنها جزء من صُناع الحدث.
وعلى أية حال، فإن التفاؤل يحدونا بأن شعب الكنانة سوف يجتاز منعطفه الراهن وأنه سيحافظ على أمنه واستقراره ومكاسبه وإنجازاته، وعلى النحو الذي بدا فيه شبابه بتلك الصورة الحضارية وهو يعلن عن مطالبه بعيداً عن الشعارات الفارغة والتيارات الانتهازية، التي لم تتعلم ولم تستنبط الدروس والعبر من مجريات التاريخ ومسارات هذه الأمة.
ومن لا يحترم خصوصية الآخرين يصعب عليه أن يفهم نفسه.