كان لافتاً في القمة العربية التي اختتمت أمس أعمالها في دولة الكويت حجم الإطراء والإشادة التي أبداها الزعماء العرب بتجربة اليمنيين في تجاوز خلافاتهم وركونهم إلى طاولة الحوار الوطني الشامل الذي أفضى في نهاية المطاف إلى توافق مختلف الأطراف السياسية على خارطة مستقبلية تضمنت خطوات واضحة تؤسس لمستقبل البلاد وتضع حلولاً لكل القضايا الشائكة، وهو ما شكل نموذجاً ناجحاً على مستوى المنطقة العربية المشتعلة بالصراع شاركت في تحقيقه كل القوى الوطنية دون استثناء بعد أن اختارت طواعية طريق السلم وغلبت مصلحة الوطن.
وفي هذه الإشادة العربية التي تجلت في كلمات القادة المشاركين في القمة دافع لكل اليمنيين للفخر بما أنجزوه حتى الآن في طريقهم لتجاوز ما بقي من خطوات العملية الانتقالية وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني، كما أنها حافز لهم على بذل مزيد من التكاتف والاصطفاف الوطني وبما يدعم الجهود الكبيرة التي يبذلها فخامة رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي من أجل مجابهة التحديات الراهنة وصولاً إلى صناعة مستقبل مختلف في يمن جديد يقوم على العدل والشراكة في ظل دولة القانون.
ولا يخفى على المتتبع الحصيف لمسار العملية الانتقالية ومؤتمر الحوار الوطني أن ما تم إنجازه حتى الآن لم يكن ليتحقق لولا إرادة جميع الأطراف وتصميمها على إيجاد أرضية مشتركة أدى الوقوف عليها إلى الخروج بوثيقة الحوار الوطني، في حين كانت جهود الرئيس هادي المخلصة عاملاً حاسماً في كل ذلك، خاصة وأنها جسدت كل معاني الشعور بالمسؤولية تجاه كل الفرقاء دون تحيز أو تعصب أو إقصاء، وبما يحقق مصلحة الوطن أولاً وأخيراً.
وتأسيساً على هذه المواقف العربية التي أجمعت على فرادة التجربة اليمنية في الحوار والتوافق لم يكن مفاجئاً أن يأتي البيان الختامي للقمة ليؤكد على الدعم العربي الكامل لوحدة اليمن واستقلاله واحترام سيادته ورفض أي تدخلات في شؤونه الداخلية، فضلاً عن ترحيبه بمخرجات الحوار الوطني ومؤازرته للجهود المبذولة للتصدي لأعمال العنف والإرهاب، ودعوته الفرقاء السياسيين إلى الالتزام بقرار مجلس الأمن(2140).
ومن المؤكد أن هذا الموقف العربي الموحد تجاه بلادنا ناجم عن إيمان عميق لدى كل الأشقاء بضرورة تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي لليمن باعتباره جزءاً لا يتجزأ من أمن واستقرار المنطقة العربية والعالم، إلى جانب ما يعنيه ذلك من أهمية التلاحم العربي الذي تفرض حضوره رياح المتغيرات الإقليمية والدولية.
وعلى الرغم من أهمية أن يستمر هذا الدعم العربي لبلادنا وبوتيرة متنامية على كافة الصعد خاصة ما يتعلق بالجانب الاقتصادي والتنموي إلا أن الأهم منه أن تعي القوى السياسية كلها أن مسؤوليتها الوطنية والأخلاقية تجاه مستقبل الوطن واستقراره هي الركيزة الأساسية لأي نجاح أو إنجاز ولابد من الاضطلاع بها على أكمل وجه، بعيداً عن أساليب الأنانية أو الكيد السياسي أو محاولة الإلغاء للآخر.
وقد كشفت كلمة الرئيس هادي أمام القمة جانباً من هذه التحديات الكبيرة والخطيرة التي لاتزال تواجه البلاد ولابد من التغلب عليها بحكمة وصبر ومسؤولية، سواء في ما يتعلق بالملف الأمني وما يتصل به من مخاطر الأعمال الإرهابية أو ما يخص الجوانب السياسية والاقتصادية التي تتطلب جهداً مشتركاً وإرادة وطنية لتجاوزها في سبيل تحقيق كل تطلعات الشعب نحو الحياة الكريمة والمستقبل المزدهر.