لأسباب عديدة، تتجه قوى المعارضة في اليمن إلى التصعيد خلال الفترة القادمة، والرهان على كثير من الشغب، والتأزيم للأوضاع الداخلية، ليس على المستوى السياسي «الديمقراطي» وحسب، وإنما الاقتصادي والأمني أيضاً - طالما وأفق العمل السياسي الوطني ظل غائباً عن رؤاها وممارساتها.
فالمعارضة اليمنية طوال ما يناهز العام والنصف كانت تعلق رهانها على ما اسمته «مؤتمر الحوار الوطني»، والذي وجدت فيه فرصة ذهبية لإعادة تقديم نفسها إلى ساحة الرأي العام ، مستغلة بعض الاضطرابات الداخلية وفي مقدمتها أعمال التخريب في بعض مناطق المحافظات الجنوبية الذي يحتل الثقل الأعظم في حساباتها.
ومع أن المعارضة - ممثلة بأحزاب المشترك - لعبت خلال فترة العام والنصف الماضية بكل أوراقها، مع كل القوى، بما فيها الانفصالية والمتمردة الخارجة عن الدستور - أملاً في الوصول إلى يوم «مؤتمر الحوار الوطني» الذي أعدت له «مشروع إنقاذ وطني» انقلابياً على الدستور والديمقراطية والإرادة الشعبية والنظام السياسي... لكن تلك التحضيرات والمشاريع والصفقات التي أبرمتها في عدة عواصم عربية وأجنبية ذهبت في النهاية أدراج الرياح، بعد انقلاب الحليف «الانفصالي» على المشترك وإعلان رفضه حضور مؤتمره، وكذلك أعلنت بقية القيادات ذات الموقف..!.
لاشك أن الضربة التي تلقاها المشترك مما يسمى «الحراك» وحملة ألوية التشطير كانت قاصمة لظهره، لأن المؤتمر الذي كان مقرراً انعقاده يوم 72 أكتوبر الماضي كان بمثابة الخيار الوحيد الذي يوصله إلى تمرير كل المشاريع التي يحلم بها وأولها مشروع التقسيم الفيدرالي لليمن، الذي يعتقد المشترك أنه الحل الوحيد للتخلص من أزمة «الحراك» باقتطاع بعض المحافظات تحت حكمهم، وكذلك لوقف حرب صعدة باقتطاع أجزاء من الوطن فيتوقف دوي المدافع.. فيما سيفوز الإخوان المسلمين بكعكة المناطق الوسطى.. وتبقى العاصمة للسلطة المركزية التي - أيضاً - سيتنافسون هم عليها.
ويبدو أن سذاجة هذا التفكير في التعاطي مع المسائل الوطنية كانت نفسها وراء السقوط المدوي لمشروع «مؤتمر الحوار الوطني» و «مشروع الإنقاذ» الانقلابي.. وبالتالي فقد خلف ذلك لدى المعارضة نوعين من الأزمات: الأولى داخلية بين أحزابها التي لم تعد تطيق بعضها البعض، وكل منها يقذف الآخر بالاتهامات ويحمله المسئولية.. والثانية هي أزمة نفسية قاهرة أغرقت أحزاب المعارضة بمشاعر الإحباط واليأس جراء فشل كل المخططات التي ربطت بها مستقبلها السياسي.
وربما راود بعض أحزاب المعارضة بصيص أمل في حرب صعدة، وظن أن تحقيق أي نصر فيها مستحيل، وأنها قد تتحول إلى «محرقة» الدولة، إلا أن الانتصارات الساحقة التي حققها الجيش خاصة في الأيام الماضية، ثم تعاظم الموقف الدولي الساخط من الحوثيين الذين تملكهم نفس الغرور فتطاولوا على سيادة المملكة العربية السعودية.. ذلك كله كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، فلن تقوم للمشترك قائمة بعدها.
ولأن العمل السياسي لدى المعارضة يجري على ذلك النحو السلبي المقيت الذي يفتقر لأدنى الثقافة السياسية، فإن من غير المستبعد أن تواصل هذه القوى رهاناتها على كل ما يسبب زعزعة الاستقرار، وتضييق فرص العيش، وتأزيم الساحة الداخلية.. لأننا نستبعد أن يكون في المعارضة من يفكر بالتغيير داخل أحزابه، لأن الكل مشغول في الاقتتال على الكرسي.