|
|
|
|
|
حرب المساجد
بقلم/ كاتب/حسين العواضي
نشر منذ: 10 سنوات و 7 أشهر و 10 أيام الأربعاء 23 إبريل-نيسان 2014 04:35 م
صنعاء التي يطرب لاسمها الفؤاد .. غاية القصد والمراد، مدينة المحبة والوئام والسكينة والسلام, مدينة القباب البيضاء الشاهقة والمآذن السامقة والمساجد العامرة, مدينة النور والضياء والقلوب النقية الطاهرة.
إلى قريب كانت مساجدها الباهية المهيبة تفتح أبوابها لكل زائر ومقيم وعابر وغريب, لا تنظر إلى لونه ولا لهجته, لا تقيس طوله ولا عرضه, والأهم أنه لم يكن يشغلها إن أطلق يديه.. أو ضمها, هذا شأنه وتلك صلاته التي يتقرب بها إلى خالقه.
وفي كل مسجد كانت المنازل الصغيرة الأنيقة يقطن بها طلاب العلم والمعرفة من أرجاء الوطن... بلا تصنيف أو تعنيف.. الجيران لا يبخلون..بما طاب وتوفر من الملبس والغذاء.
ومن منارات المعرفة الزاهية تخرج علماء.. وأدباء وشعراء وفقهاء الأبرز بينهم الأديب الكبير والراحل الأثير والمبصر الشهير عبدالله البردوني الذي نسيته جائزة نوبل للآداب وذهبت لمن لا يستحق.
صنعاء مدينة قريبة أليفة بها في كل حارة ساحة للشبان ومقشامة وبستان ومسجد وحمام, كانت من أنظف مدن العالم وأكثرها دهشة في الهندسة والعمران.
ذات صباح عبرت أزقتها المدهشة سائحة كندية باحثة وعالمة آثار معروفة صرخت بحرقة وحزن وهي ترى المدينة تغرق في أكياس القمامة.
هؤلاء البشر الجاحدون لا يعرفون قيمة المدينة التي ينتمون إليها, لا يدركون كم هي غالية هذه الجوهرة المطمورة, لو أني من سكانها لاستيقظت كل صباح لأمسحها برموش عيوني.
صنعاء التي حوت كل فن كانت إلى قريب مدينة نظيفة, مرحة, منفتحة, متدينة ولكن بنظام على رأي الأستاذ الحلبي رحمه الله.
مدينة متعايشة مع الآخر لا تعرف الحقد والخصومة, تمقت التعصب والتطرف وتنبذ البغضاء والكراهية.
هذه كانت صنعاء قبل أن تشتعل فيها حرب مساجد، ضاقت السبل بتجار الحروب وصناع الأزمات, قضوا على الأخضر واليابس ولم يعد لصراعاتهم من متسع غير مساجد صنعاء البريئة المهادنة.
تنطلق حروب المساجد لتنذر بعواقب وخيمة، ونتائج خطيرة, سكان حارة مسجد القبة الخضراء يصلون على الرصيف ومسجد الحرقان مغلق بأقفال التعصب والعناد ومساجد أخرى يجري تصنيفها، وتأميمها.. وإغلاقها أمام صمت رسمي مريب.
طارت العقول.. وبرز التعصب بذهول ولن يبعد الوقت حتى تطلى المساجد بالألوان.. وترفع على مشارفها الرايات والأكفان.
هذا مسجد زيدي وهذا جامع شافعي انتبه في الحارة إمام حوثي.. وفي الجوار معهد سلفي, هذا جامع إصلاحي، وهذا مسجد إسماعيلي, ورب العرش انها لمصيبة عاصفة، وبداية مدمرة للأمة.. وللسلم الاجتماعي الذي نفد رصيده، وكثر خصومه.
ولا تندهشوا يا حضرات الرياضيين إن وجدتم غداً ملصقا أبيض.. وآخر أزرق هذا مسجد أنصار الريال.. وذاك مسجد أنصار برشلونة، وإن كانوا في ظل إدارتهم الفاسدة، ومدربهم الغبي سيصلّون هذا العام في الشوارع المظلمة.
صنعاء المدينة التي يصنفونها من روائع التراث العالمي ستكون أول مدينة تنضب منها المياه، وآخر مدينة تجد فيها مسجداً محايداً مفتوحاً للصلاة.
أهل صنعاء (السلبيون) الأبرياء لا ذنب لهم فيما يجري غير أنهم بعد حين سيتوجهون إلى الضواحي للبحث عن مساجد آمنة, هذا خيار أول والثاني أن يهبطوا للصلاة في الدهاليز و(منك يا بيت الله).
ونسأل بمرارة وبراءة.. أين علماء صنعاء الزاهدون المتنورون، وأين عقالها الغر الميامين؟ ألا يوجد بينهم رجل شجاع وشيخ مطاع يستنكر ما يحدث؟
ثم أين الجهات المختصة والمسؤولة؟ ولماذا تتفرج, مثلنا عاجزة, رخوة، صامتة، تترك المساجد والمنابر للمتطرفين، والمتعصبين الذين يقودون البلاد إلى الهاوية؟
لا حول ولا قوة إلا بالله، الكهرباء طافية، والبترول معدوم. والأمن مفقود، ونذهب إلى المساجد للصلاة والدعاء عسى أن يفرجها الرحمن الرحيم عن هذا الشعب اليتيم، فنجدها مغلقة بأقفال غليظة وسلاسل غريبة, لم تصنع في الصين ولكنها صنعت في دولة شقيقة ومسلمة. |
|
|
|
|
|
|
|