حتى إن كان الطب تجارة خالصة يحكمها العرض والطلب ويحركها الربح فإن موضوع التجارة هو الانسان, وذلك يعني أنسنة التجارة الطبية من ناحيتين: الأولى: قدسية الحياة, الثانية: كرامة الانسان.
لا محل للاعتراض على أن يكون الطب تجارة رابحة, وأن تكون صحة الانسان في اليمن سوقاً استثمارياً جاذباً ومشجعاً لكل ذي رأس مال أو ذوي القدرة على الاستثمار من اصحاب المهن الطبية, لكن أنسنة الاستثمار في الصحة , والتجارة الطبية , تجعل هذا الاستثمار وتلك التجارة محكومة أولاً بأخلاقيات المهنة الطبية, وثانياً بأخلاقيات التجارة.
وأخلاقيات التجارة، تعني جودة الخدمة الطبية بسعر معقول ومقبول ، يحقق للطرفين, أي للبائع والمشتري المصلحة المشتركة, وهذه الجودة تتحقق بخلو الطب من الغش والخداع , ومن التسيب والاهمال , وبعبارة أخرى , أن لا يُباع للمريض خدمة لا يحتاجها مرضه أو يؤخذ منه ما لا تتطلبه صحته, وذلك بدافع مضاعفة الربح وبغاية الاستغلال الجشع للمرضى من خلال بيع خدمات غير ضرورية بأسعار مضاعفة.
وأخلاقيات المهنة تبدأ منذ كانت أول مهنة أو عمل يُقسم المؤهل لمزاولته على الالتزام بأخلاق مهنة الطب وأدائها بأمانة وإحسان الى المحتاجين لها , وهنا يكون كل ذي مهنة ملزماً بأخلاقيات الطب , ملتزماً لها في عمله ومن ذلك ألا يُثقل المريض بأشياء غير ضرورية في تشخيص المرض وفي معالجته بداعي زيادة الدخل المالي للمنشأة الطبية.. وفي اليمن , فإن قطاع الخدمات الطبية الحكومية يفتقر إلى الجودة ويهيمن عليه التسيب والإهمال , وحين يلجأ اليه الفقراء وهم الأكثر اعتلالاً , فإن الخدمة الطبية تصبح إمراضاً واعتلالاً مضاعفاً, وجاء القطاع التجاري , ليقدم خدمات طبية أفضل مقابل ثمن كامل, لكن هذا القطاع أسرف في استغلال المرضى , ولم يفلح في تقديم خدماته بالجودة التي تقتضيها أمانة التجارة , ولا بالأمانة التي تفرضها أخلاقيات الطب , فأصبحت الخدمات الطبية تجارة منفلته من كل القيود.
قديماً أشار الشاعر العربي إلى إكرام المعلم والطبيب, لأنهما يستحقان التكريم بكرم موضوعهما , وهو الانسان , ولا شك أن أخلاقيات كل من التجارة والطب , لن تعود على الاستثمار الطبي بالخسائر بل أرباح كبيرة مالية وانسانية , وأولها ثقة اليمنيين وتوقفهم عن الذهاب إلى العلاج في الخارج , وإهدار أموال كبيرة في سبيل الحصول على خدمة طبية لا يجدها المرضى في اليمن.
Albadeel.c@gmail.com