عودة الحرب في عمران بعد اتفاقية وقفها، تثير عدة أسئلة، ليس فقط فيما يخص صراعاً ذا أبعاد عدة منها طائفية وجهوية، ومنها رغبة فصيل استثمار الاضطرابات السياسية لتوسع عسكري. الحوثي دائماً يستدعي الموضوع الطائفي، فمحاربوه الإعلاميون دائماً ما يتهمون خصومه بالطائفية. والسؤال: لماذا يعتمد الحوثي على إسقاط الطائفية ضد كل أعدائه. إنه أولاً يستثمر هذا البعد. فهم دائماً يرفعون شعار المظلومية، حتى وهم يهاجمون ويتوسعون عسكرياً. احد أصدقائي قال انهم في إحدى قرى آنس رفضوا تدخل أحد الاحزاب، بعد استفزازات بدأ يمارسها الحوثيون، وعندما لم يجدوا ما يبرر دعاواهم المطلقة لحروبهم الحالية بأنها مع الإخوان اتهموا أهل المنطقة بأنهم “أمن قومي”.
لذا يركز الحوثي في حروبه، الإعلان إنها حرب مع الإخوان، أو جماعة الإصلاح، وميليشيات القشيبي أو علي محسن. وعندما تدخلت القوات الجوية لضرب تمركز ميليشيات الحوثي، ظهر قائدهم عبدالملك الحوثي في خطابه غاضباً تارة وخارجاً عن طوره مستخدماً ألفاظاً في الواجهة العامة لا تليق بسياسي، مثل “تافه” حتى وإن قصد بها شخصية غير محبوبة. لم يكن غاضباً بعدد القتلى الذين حصدتها الحرب لمقاتليه، فالحوثيون كجماعة لا تبدو معنية بدم مقاتليها، بأي عدد من القتلى يمكنهم توسيع متاريسهم في سلسلة جبلية ممتدة من صعدة نحو صنعاء. كان غاضباً بصورة اقل لأن تدخل الطيران حد من تقدمهم، ثم بصورة أكبر غضبه انصب لأن هذا التدخل يؤكد ان حربه ليست فقط ضد ميليشيات الإخوان، بل مع الجيش نفسه. حتى ان المناظرات التلفزيونية، في القنوات الإخبارية، كانت تظهر الحوثيين مثيرين للسخرية وهم يحاولون نفي وجود حرب بينهم والدولة، بل ومتناقضين. لذا مازالت كثير من أدواتهم الإعلامية تحاول دائماً إظهار إنها حرب مع جماعة الإخوان، مدعومة بحلفائهم في اللواء 310 المرابط هناك في عمران.
اخبرني صديق كان عائداً من جيبوتي، جلس بجانبه الطيار الذي قاد طائرة اليمنية من صنعاء، مع ان التقاليد تحتم على قائد الطائرة البقاء هناك ليقود الطائرة القادمة من صنعاء. اخبره الكابتن انه سيعود ليساند قبيلته في عمران ضد الحوثيين. الطيار ينتمي للمؤتمر الشعبي وكذلك أفراد عائلته. ومع أن كثيراً من حلفاء المؤتمر، وبالتحديد الرئيس السابق يساندون الحوثي إلا ان الأمر مختلف مع هؤلاء فهم يواجهون مقاتلين قادمون من صعدة. صديقي الذي ينتمي لإحدى مديريات آنس، قال إنهم زيود مع ذلك اكد ان ليس هناك جماعة في اليمن تقوم بشق المجتمع وتقسيمه كما الحوثيين. عانى البعض من تلك الحروب، فخطورتها على المجتمع هنا مريعة، ولا يمكن تضميد جراحها بالبساطة التي نراها. فالبعض ينحاز للحوثيين بسبب حماقة أحد الأحزاب. أولاً وجود هذا البعد الراديكالي للصراع يحاول استغلاله طائفياً الحوثي، لكن الضغائن من سيشفيها، بخطاب يضيف إلى المشكلة الوطنية أزمات متصاعدة. لنتصور استيلاء الحكم من طرف طائفي، هذا سيعبر بنا إلى سيناريو العراق. إلى حرب إقليمية بالوكالة، تتناوب فيه الميليشيات الراديكالية المباغتة. إضافة إلى تلك علينا أولاً قياس طبيعة المشكلات التي تهدد اليمن.
وعلى سبيل المثال تكاد تكون صعدة أول منطقة في اليمن ستعاني من أزمة مائية، حيث يتم الآن حفر الآبار الجوفية بعمق ألفي متر. والصراعات القادمة كما يرى الجميع، ستكون مائياً. أي ان تلك الميليشيات المسلحة ستكرس منطق الهيمنة القمعية لقوتها وجبروتها على حساب المواطنة اليمنية، أي العودة إلى مربع الانحيازات الجهوية والطائفية على حساب اليمن، وهذا لا يعني ان اليمنيين تجاوزوا ذلك، إذ ما زالت تهيمن على مخيلتهم وتكاد ان تتفاقم إلى عُصاب مدمر.
لذا بدأت تتشكل خارطة تحالفات تريد الانقضاض على السلطة، مع انه في الواقع لا يمكن لليمن ان تدار بهذا الوعي المخيب. فالجروح التي أنتجتها عقود من الصراعات والتعصبات تنزف. فالزنداني يخرج لنا بواحدة من بدعه، يقيم فعالية أو احتفالاً برعاية الله. في الماضي كان الراعي يمكن ان يكون الرئيس صالح، لكن الوهم المتربص على الانتهازية الدينية يذهب ابعد من تصورنا. لنتصور هذا النوع من الوعي كيف يمكنه تدمير الواقع السياسي، وإنتاج صراعات لا يمكن لجمها. فعندما تتقاتل العُصب على تمثيل الله، فلن يكون هناك أمل. ولننتظر أجيال. لكن هل اليمن ستداوي جروحها بالصراع على الله، بين انصار الله وانصار الشريعة سيكف اليمن مصائبها الأخرى. إنه سؤال اخرق بقدر ما يبدو الواقع مثيراً للسخرية. لكن هل انفجرت الحرب في عمران، كمحاولة لفك طوق صالح المحاصر هنا في صنعاء. مثل هذا الاستدلال تبسيط اخرق، كما ان نفي ذلك مغالطة. فالحرب بعد الهدنة كانت طبولها تدق. مع ذلك، التداعيات تكشف عن طرفين يزعجهم تصاعد قوة الرئيس هادي وسط هذا التصدع. والمحطوري كشف لنا هذا البعد الطائفي في مخاوفه، مخاوف من صعود قوة الدولة التي يمثلها هادي، فحاول اللمز ضد المنطقة التي ينتمي إليها هادي، وليس باعتباره رئيس الدولة اليمنية. صديق لا يخفي مخاوفه من الإصلاح والحوثيين على حد سواء، قال إن أي قوة سيحوزها هادي لن تذهب إلا لمصلحة الدولة اليمنية. أليس هؤلاء البكائيون لوهم جهوي أو طائفي هم من يريدون تهديم كل شيء بعصابهم المسعور.