منذ العصور الغابرة جسّد المعبد نواة لوجود مدينة، حيث يتم بناؤه في وسط المدينة أو ما يتم اعتباره مركز الأرض، على الأقل هذا ما تخبرنا به الآثار السومرية المكتشفة في العراق.
حتى اليوم أقدم معبد تم اكتشافه هناك يعود إلى مرحلة العبيديين؛ أي خمسة آلاف قبل الميلاد، ومنذ ذلك الوقت اتخذ المعبد تأثيراً على كافة مناحي الحياة، فمنه يمكن إعلان الحرب أو مباركتها لأنها تعلن في أماكن أخرى، فمنذ تأسس المعبد لم يتم الفصل بينه وبين مسائل الحياة الأخرى؛ إذ أن كل شيء يمكن أن يصيب الإنسان على علاقة بالعبادة، فمنه يتم مباركة الحرب، لنتذكّر دعوة البابا إلى الحروب الصليبية؛ كانت ممزوجة كذلك بجانب دنيوي وهو يذكر أن هناك عسلاً ولبناً.
فما هو ديني يصبح دنيوياً أو العكس، لذا تتعارض الفكرة الوطنية مع الكهنوت الديني، مع أنها كانت في السابق لا تكاد تنفصل عن بعضها؛ إذ أن الأرباب تأخذ مدلولات وطنية وأحياناً قبلية، فالإله يصبح علامة قومية أو وطنية بالنسبة للشعوب، وهو ما اتخذت عليه الممالك والدول؛ إذ أن تأسيس دولة أو مملكة كان يرتبط بمسمّى إلهي، وهو ما أخذت عليه الدول اليمنية القديمة، فمع تشابه عباداتها وشكل آلهاتها إلا أنها كانت تتخذ مسمّيات مختلفة؛ إذ أن الثالوث الفلكي في نظام الأديان الجنوبية تشابهت مع اختلاف مسمّياتها، وهذا الحس اختفى مع ظهور الأديان الموحّدة أو الشمولية؛ إذ أن فكرة «وطن» صارت تتناقض مع مفهوم الأمة وهو ما عبّر عنها المرشد السابق للإخوان المسلمين في مصر مهدي عاكف وهو يسخر من الانتماء إلى بلده، قائلاً: «وطنا الإسلام».
مع ذلك أثارت الجماعات الإسلامية التي تقاتل في سوريا وكذلك في شكل ظهورها داخل ليبيا كوجه متعارض مع الدولة دلالة قاسية على الوحدة الوطنية، فاتخذت صورة إمارات، أي أنها تنزع إلى التقاسم أكثر من ذلك الحس الوطني، فهي في خارطة الوطن الواحد قابلة لأن تنقسم إلى أعداد بقدر وجود أمراء جماعات.
في الواقع صار تنظيم «القاعدة» يعطي الإسلام مدلول عنف غير مسبوق في التاريخ، فهل الإسلام كدين يدعو إلى العنف..؟! بالطبع سنمر على ذلك اللغط باعتبار أن الخطأ في المسلمين أو في التطبيق؛ لكن هل يمكن أن نقارن بين المسيحية المتعصّبة خلال القرون الوسطى أو فترة الحروب الدينية في القرن الثامن عشر ووحشية الفتك الذي رافق الانشقاق المذهبي الكبير عن الكاثوليكية..؟!.
لكن الإسلام بالنسبة للعالم هو ما يفعله المسلمون أو ما صار طابعاً عاماً، ثم لنقرّر تلك الصورة العامة التي تؤرشف نظرة قاسية ضد المسلمين، وبالتأكيد بسبب مسلك عنيف لا تتخذه فقط «القاعدة» وإن كانت التعبير الأكثر قسوة وحماقة لا يمكن فصل الإسلام عن المسلمين، ودعونا من خداع أنفسنا.
بالطبع، أنا لا أؤيد النظرة التي تقول إن الإسلام دين عنف، بالطبع أعرف إسلاماً مختلفاً؛ ذات يوم جدي تعصّب إلى جانب جاره اليهودي ضد عسكري الإمام، لم يكن مكرّساً في نظره هذا مسلم وذلك آخر؛ بل وقف ضد تعنُّت عسكري متغطرس ضد جاره الضعيف، لكن ينمو اليوم إسلام مليء بالحدّية والقسر والعنف، ونعرف كيف نما هذا النوع من التديُّن، كيف ظهرت قيم تؤصّل للوحشية ضد ما يختلف عنها.
هذا الإسلام يتعمّم بصورة وحشية ويكاد يسيطر على وعينا إما بنوعه الأخرق المبني على الإرهاب والقتل أو بشكله الطائفي المبني على توحش مذهبي يتأصل بصراعات كبيرة، إقليمية وحتى دولية، لنرى ما يحدث في سوريا وقبلها في العراق.
قبل عقدين، قبل انتشار التطرُّف الديني في خارطة حياتنا اليمنية؛ كانت القيم والتقاليد الأسرية والمجتمعية أكثر انفتاحاً، اليوم صار من المحرّمات أن يرى الشخص قريباته؛ لأن الوحشية التي يتبنّاها التطرُّف التهمت كل القيم البسيطة وشوّهت علاقاتنا مع بعضنا داخل الأسرة وفي الحي والقرية، نمت كسرطان مخيف في الواقع، سيتحدّد الإسلام على سلوك المسلمين، وإن لم يكن هناك فكر إصلاحي أو فتوحات حرّة للعقل فسينكفئ كلياً في قسوة روحية تصنع مفخّخين وانتحاريين وقتالات لا نهائية.
وعلى سبيل المثل، هناك نصوص في القرآن يتم إنكارها وهي التي تدعو الناس إلى التسامح مثل «لكم دينكم ولي دين» أو حتى تلك التي تنكر حد الردّة، والتي تتحدّث عن الإيمان والكفر بعد الإيمان، بأنها ستلقي بصاحبها في عذاب النار.
في الإسلام انتصر الخطاب المحرّض على كل قيم الحياة، ومع أن المسلمين احتضنوا في مرحلة ذهبية لهم حضارة مهمّة؛ لكن اليوم تظهر علامات الانحلال والتآكل في أكثر القيم شوفينية وقسوة؛ إذ تنتعش وتنتصر، إننا نعيش بين عمامتين؛ عمامة مقدّسة في إيران وصورة زائفة لعودة الخلافة في اسطنبول، وبالنسبة للعربي فهو كائن يضمحل بقدر وجوده.
g-odaini@hotmail.com