التعصُّب يشبه عيناً خبيئة ما أن تثار حتى لا يمكن كبح جماح تدفقها، تحدّث الصحافي عبدالكريم الخيواني بلهجة تهديد أنهم، أي الحوثيون، سينسفون منزل الرئيس، كان يستجمع مباركته المسبقة لكل عمليات التدمير التي يقوم بها الحوثيون ضد خصومهم، مستحضراً في نفس الوقت وهم سيطرة الحوثي على صنعاء والدولة اليمنية، على الأقل استقطاع جزء كبير من الأرض اليمنية، بما أن التداعيات قد تؤول إلى تفكك مريع واقتتال لا متناهٍ يحمل نهم ميليشيات مسلّحة وعقائد طائفية.
المثير للسخرية أن لساناً مثقلاً بهذا الهوس للعنف المبطّن ربما في سياق الإيمان الشخصي، هو لرجل تم تكريمه كسفير للنوايا الحسنة من منظمة دولية تجرّم كل مضامين حقوق الإنسان، وهي التي يحمل شارتها أي سفير للنوايا الحسنة أن يقوم طرف بتدمير المنازل حتى وإن كانت تخص خصماً، وتلك الأيقونة التي يحمل شارتها أشخاص، حتى وإن كانت لديهم تحيزات أو نزعات شوفينية في أعماقهم يخفونها في خطاب ملتوٍ لا يقع في فخ الإنشاء المنفوخ بأي تحيُّز إلى الحرب.
تمارس جماعة الحوثي نوعاً من الإرهاب ضد أي خصم أو طرف لا يوافق نزوعهم، تبادل الحوثيون صورة منزل لأحد الطيارين، يقولون إنه شارك ضمن غارات سلاح الجو لضرب مواقع مقاتليهم، مدلول الصورة أنهم يبشّرونها كهدف للديناميت، هذا الإرهاب يوجّهه شخص تم تكريمه كسفير للنوايا الحسنة، هكذا يخرج عن طوره دون وضع الاعتبار لتلك الصفة التي يحملها؛ لكن لماذا يخرج الناس عن طورهم..؟!.
قبل أيام شاهدنا اللاعب الأورغواني لويس سواريز وهو يعض على كتف المدافع الإيطالي كليني، كانت المباراة حاسمة وتؤهّل للدور الثاني، كانت المرة الثالثة التي يقوم بها هذا اللاعب الموهوب بعض لاعب خصم.. قال «الفيفا» إنه سيتعرّض لعقوبة كبيرة قد تصل إلى الإيقاف عامين، هذا اللاعب لم يفكّر بقيمة موهبته وهو يعض، لأنه خرج عن طوره، شعر بالغضب، لأنه لم يستطع التسجيل، وها هو مستقبله الكروي يواجه خطر النهاية.
لكن سفير النوايا الحسنة مصنوع من الإيمان وذو موهبة شعرية متواضعة إذا قارناه بموهبة هداف من العيار الثقيل كسواريز؛ مع ذلك هو خرج عن طوره وتحول إلى بوق ينذر بترهيب، لقد خلط بين بطولة أمراء الحروب وبين تمثيل الحقوق الإنسانية، كنت أرى كثيراً من تلك التعليقات وهو يبكي على أطفال شهداء قتلتهم آلة الحرب في عمران؛ لكنه يرى دائماً في اتجاه واحد، في الاتجاه الذي يقف ضد جماعته.
اليمني مازال ينتمي إلى القرون البدائية في النقوش السبئية القديمة، وحتى تلك التي تنتمي إلى المالك الأخرى والتي تؤرّخ للحروب يتحدّثون عن قتلهم قتلة حسنة من الأعداء، هناك دائماً هذا الوهج الذي يبرّر دمويتنا وينكر دموية الآخرين.
في مهزلة أخرى، ظهرت توكل كرمان "وهي الفائزة بجائزة نوبل للسلام" تعلن حمل السلاح للدفاع عن الجمهورية؛ مثل هذا الشعار يرفعه أبطال مقاومون، لكن عندما أكون حاملاً أهم جائزة دولية للسلام؛ فالأحرى إنكار وجود الحرب من أصلها؛ بصرف النظر عن التمسُّك بمضامين مقدّسة، بطل السلام دائماً ما يستنكر الأطراف المتنازعة؛ لكن اليمني لا يحترم المنصّة التي يقف عليها، سواء منصّة السلام أو النوايا الحسنة، لا يعرف مضامينها.
يمتلك أوراس الإرياني حس دعابة لاذعة، إنه أكثر الناس تهكُّماً وسخرية عبر تعليقاته، وهذا ما تؤكده صفحته في «الفيس بوك» قال: «الآن في ناس تكتب عن هموم الناس؛ لا كهرباء، ولا تعليم، وتكتب عن حياة اليمني، وعندما تسترخي تسمع ميادة الحناوي، بينما عبدالكريم الخيواني من بيروت يسمع العنف الذي داخله ويوزّعه بخبث عمره ما كتب عن هموم اليمني؛ حتى معركته مع علي عبدالله معركة طائفية لها طابع ديني سخيف».
الإيمان الأعمى مصدر كل شر، الغشاء الذي يفتك بالعقل وينسف أي قيم جمالية أو كيف تخرج بطلة السلام السيدة توكل وسفير النوايا الحسنة عبدالكريم الخيواني ليصيرا بوقي حرب؛ حتى وإن استخدمت الأولى شعارات مثل “الدفاع عن الجمهورية والوطن” بينما الآخر يمجّد ممارسات قديمة وقروسطية تعتقد أن هدم البيوت فضيلة المنتصر..!!.
هناك قضية يجب معرفتها، فمفاهيم حقوق الإنسان الحديثة التي جرّمت كل فعل شائن، بصرف النظر عن معتقدات الشخص أو عرقه أو قوميته، بما أنه إنسان ينتمي إلى الثقافة الحديثة التي تأسست في أوروبا ثم صارت قيماً أساسية لدى البشر؛ لكن مازالت اليمن تجلس في البركة البدائية أو القروسطية، وإن ارتدى البعض ربطات عنق أو استخدموا التكنولوجيا فهم يوظفونها للشر.