نحن أشد شعب في العالم يفتقد لثقافة الحوار، وأكثر شعب بحاجة إلى الحوار، وطرق الحوار اليمنية هي أغرب وسائل حوار في العالم؛ السياسيون يتحاورون بالنفوذ والصراعات ، والأحزاب بالتقاسم والمحاصصات، والقبائل بالأسلحة والقطاعات ، والمدرسون مع طلابهم بالعصا، والآباء مع عيالهم بالضرب والدعس... فأي حوار هذا!؟
نفتقد ثقافة الحوار لأننا أكثر شعب في العالم يستخدم سلاحه قبل عقله.
نحن البلد الوحيد الذي إذا أرادت فيه جماعة ما أن تتحاور مع الحكومة يخطفون سائحا أو اثنين، وإذا أراد الدائن أن يسترد ديونه يقوم بعملية حوار فيسوي "قطاع" ويخطفه...!
أين الحوار بين الأزواج وزوجاتهم؟! إذا كانت دراسة بحثية تقول إن غالبية الذين يضربون زوجاتهم في اليمن هم من المثقفين دعاة الحوار.
نعم الحوار موجود في اليمن، بأمارة أن مسلسل الثأر لا يهدأ ولا ينام، وأنك تجد مضرابة أمامك حيثما ذهبت، في سوق أو شارع أو باص أو حافلة...
الحوار موجود في بلادنا لدرجة أن أقسام الجراحة والعظام في مستشفياتنا ممتلئة بضحايا الحوار؛ ناس مطعونون، وآخرون تعرضوا لرصاص، وغيرهم لكسور، ومنهم المضروب بصميل، والمطعون بجنبية... وكل ذلك يحدث أثناء عمليات الحوار الجارية على قدم وساق في حياتنا اليومية.
أحدهم قذف بقنبلة في بوفيه أثناء تحاوره مع أهل زوجته بعد حنقها.
ولقي مواطن يمني مصرعه في أحد الأسواق أثناء عملية حوار أجراها مع المقوت الذي يستلف منه القات.
قلت لكم الحوار موجود، بدليل أن المسؤول الحكومي يجتمع بالموظفين ويخطب فيهم: "أنا باب مكتبي مفتوح للجميع"، وعندما يناقشه أحد موظفيه في مسألة بسيطة، وخصوصا إن كان حقا مشروعا، فتجده يتحول إلى غريم ويحوله الشؤون القانونية.
والأب يقول لولده: "اعتبرني صديقك!"، وعندما يقول له: "يا اباه، اشتي أسجل أدبي"، يلطمه في وجهه ويقول له: "أنا قلت علمي يعني علمي".
نحن مغرمون بالحوار، إلى درجة أننا "نتحاور" على أتفه الأشياء.
يتضح -إذن- أن تجربتنا في الحوار تختلف أشد الاختلاف عن تجارب الآخرين، تلك التي يعكسها –مثلا- قول هنري فورد: "يكمن سر النجاح في القدرة على استيعاب وجهة نظر الشخص الآخر ورؤية الأشياء من الزاوية التي يراها هو بالإضافة إلى الزاوية التي تراها أنت".
كما ويقول أوين يونج: "من يستطيع أن يضع نفسه مكان الآخرين، ويفهم ما يدور في عقولهم، يجب ألا يقلق بشأن ما يخبئه له المستقبل".
اذكروا الله وعطروا قلوبكم بالصلاة على النبي..
اللهم ارحم ابي واسكنه فسيح جناتك وجميع اموات المسلمين.