رفع الدعم عن المشتقات النفطية صار الموضوع الأول لحديث الناس؛ الكل يتحدّث ويبدي اهتمامه في إطار تفاوتات وتباينات مختلفة، فهذا ينظر إلى الأمر من منظور اقتصادي، وذاك مؤيد وآخر معارض وذا متضرّر وذلك له رؤيته ومقترحاته... إلخ.
ومن المنطقي أن ننظر إلى رفع الدعم بعقلانية وموضوعية خاصة ونحن كغيرنا من الدول المشابهة لنا نعيش ظروفاً ومتغيّرات محلّية وإقليمية ودولية جعلت البعض يسبقنا إلى هذا القرار كالمملكة الأردنية وجمهورية السودان وجمهورية مصر، وتحمّلت أنظمتها ردود الفعل الرافضة حتى استقرت الأمور وعرف الشارع مصلحته باستثناء الشارع المصري الذي عرف مصلحته منذ صدور قرار رفع الدعم وقول الرئيس المصري المشير عبدالفتاح السيسي لشعبه: «هذا دواء مرٌّ علينا تجرُّعه من أجل مصر» فغلبت الروح الوطنية ـ التي يُعرف بها الشارع المصري ـ على كل شيء.
وها نحن في الجمهورية اليمنية ـ وبعد معاناة طويلة ـ جاء دورنا لتجرُّع الدواء المُر من أجل اليمن وإنقاذه من الهاوية، إنه الدواء الذي لابد منه؛ وإلا فُقد الأمل في التعافي والشفاء.
نعرف أنه دواءٌ مرٌ كما نعرف أيضاً أن خزينة الدولة كانت تتحمّل انفاق ملياري دولار أمريكي كل عام لدعم المشتقات النفطية التي كان المستفيد الأول من دعمها محترفو تهريب الديزل والنفط من داخل البلاد ومن عرض البحر؛ أي قبل وصولها إلى اليمن ويجمعون من ذلك ثروات طائلة وهائلة..!!.
كانوا هم المستفيد الأول قبل الفقراء ومحدودي الدخل والمزارعين؛ خاصة إذا ما أقدمت الدولة على اتخاذ خطوات تعود بالنفع على المواطن والوطن عموماً لا على مهرّبي المشتقات النفطية؛ ومن هذه الخطوات إنفاق الملياري دولار التي ستوفرها سنوياً في مصرفها السليم كأن تخصّص مليار دولار لرفع مرتبات الموظفين في السلكين المدني والعسكري ومليار دولار للمشاريع الإنمائية والتنموية وخلق فرص العمل أمام الشباب ومن يعانون البطالة، وأن تعيد النظر في الإيرادات والنفقات كون المعالجة الاقتصادية لبلد على شفا الانهيار لا تتوقف على رفع الدعم عن المشتقات النفطية كالبترول والديزل ولكنه يشمل معالجة شاملة منها ضبط الموارد وترشيد الإنفاق؛ وهي خطوة لو تمّت بحزم وجدّية لوفّرت لخزينة الدولة ما يقارب التوفير من رفع الدعم.
إذا ما أقررنا بزيادة الأسعار الناجمة عن رفع الدعم؛ فإن هذه الزيادة محصورة على أجور النقل الداخلي فقط؛ أي من الموانئ إلى الأسواق، وهي زيادة محدودة لا تتعدّى نسبة مادية صغيرة وفي سلع معيّنة، وهذا ما يجب أن تحدّده الدولة وفقاً للأرقام والدراسة السليمة، وألا تترك الأمر للتاجر ومجازفاته أو استغلاله؛ إذ لا ضرر ولا ضرار، أما بالنسبة للمنتجات الزراعية من فواكه وخضار فهي عملية تخضع للعرض والطلب كما هو معروف.
وهكذا نجد أن هذه المعالجات وغيرها والزيادة التي ستشمل المرتبات والأجور والضمان الاجتماعي تجعل من هذا الدواء المُر علاجاً شافياً ومنقذاً للدولة بأكملها من الانهيار، ويحصر الخسارة بدرجة أساسية على من قاموا وتوسّعوا وامتلكوا النفوذ والمال عن طريق استغلال دعم المشتقات النفطية واحتراف تهريبها بتلك الصورة التي لم تعد خافية على أحد بما في ذلك السفراء الأجانب والمنظمات والهيئات الدولية التي كانت تستغرب باندهاش لما يحدث، حيث كان ما يقارب الخمسين في المئة من المواد المدعومة يذهب ريعها إلى جيوب المهرّبين والمتنفّذين..!!.
مثل هذا الكلام نقوله ونحن نؤكد ونجزم أن المواطن اليمني لن يحس؛ بل لن يقتنع أن قرار رفع الدعم قد اتخذ من أجل مصلحة عامة وإنقاذ بلد ودولة إلا متى أحسّ بالإيجابيات المتوقّع أن تعود فوائدها عليه، وأنها قد شملت معالجات متكاملة هدفها ضبط الموارد وترشيد النفقات وتحسين الوضع المعيشي للناس وليس ما هو عكس ذلك وما يزيد من التذمر والمعاناة.
إنه القرار الذي يحتاج إلى قرارات شجاعة حازمة تبرهن على الجدّية في المعالجة والصرامة في محاربة الفساد، وما يقنع الناس هو أن تُتخذ معالجات اقتصادية لمصلحة السواد الأعظم من الناس وليس فئة أو جماعة أو نُخبة معيّنة.