كثر المبعوثون إلى اليمن ابتداءً من جمال بن عمر، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة مروراً برئيس بعثة دول مجلس التعاون الخليجي والمبعوث الخاص للمملكة العربية السعودية الحمدان، نزولاً عند السيد آلان دنكان، المبعوث الخاص لبريطانيا وإلى جانب هؤلاء يأتي سفراء الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية وكذلك لجنة العقوبات التي جاءت وفق البند السابع لمجلس الأمن؛ علّلت بريطانيا إرسال مبعوثها الخاص إلى اليمن وعمان من أجل السلام والاستقرار في اليمن ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ما دخل اليمن بالشرق الأوسط وهي تقع في جنوب الجزيرة العربية، ثم ما دخلها بشمال أفريقيا وهي تجاور القرن الأفريقي، ثم لماذا تعيّن بريطانيا مبعوثاً خاصاً وهي تمتلك سفارة ولديها سفيرة نشيطة تلتقي بكل الأطراف، ثم لماذا مبعوث لليمن وعمان، هل في ذلك علاقة بالجنوب تحديداً..؟!.
لست بحاجة إلى القول إن بريطانيا تحمل ملف الجنوب منذ ما بعد عام 1994م، وهي التي تقدّمت بمشروع إدراج اليمن ضمن البند السابع، وفي مكتب من مكاتبها صيغة وثيقة تقسيم اليمن إلى أقاليم وهي التي ضغطت مع ألمانيا لاختيار الأقاليم مخالفة للرؤية الفرنسية التي ذهبت إلى الحكم اللا مركزي وحذّرت من خطورة الذهاب نحو الأقاليم في بلد كاليمن يعاني أزمة اقتصادية خانقة ومن تشظّي الهوية الوطنية.
من الواضح أن العامل الدولي أمسى مسيطراً على الوضع، وعليّ أن أذكّر القارئ الكريم أن الذي ذهب باليمن نحو التدويل هو تلك الأحزاب التي كانت تقول عام 2009م إن الأزمة في اليمن لا يمكن حلّها إلا بتدخل دولي عن طريق الولايات المتحدة ومجلس الأمن والمجتمع الدولي، وعلى القارئ الكريم أن يرجع إلى تلك التصريحات على لسان قيادات تلك الأحزاب.
أقول إن هذه القيادات إذا استشعرت واجبها الوطني تجاه الوطن والمواطن فإنها سوف تتراجع عن فكرة الأقاليم؛ لأن الذهاب نحو الأقاليم يعني تشظية الهوية اليمنية، وتصبح هوية المواطن السبئي والحضرمي والجندي والتهامي وغير ذلك.
سيصبح المجتمع اليمني غير منسجم وسيتعدّد بتعدد المناطق أو الأقاليم، هذا على المستوى الثقافي، أما على المستوى الاقتصادي فنحن نعلم أن الوضع الاقتصادي اليمني على حافة الانهيار، وتكاد تكون اليمن دولة فاشلة خاصة إن زيادة الدين المحلّي قد تجاوزت 3 تريليونات و39 مليار ريال بحسب رئيس الجمهورية أمام الحكومة.
أقول إن أزمة الثقة التي سادت بين أطراف العملية السياسية في اليمن عام 2009م ينبغي أن تكون قد زالت بعد أن أصبحت اليمن في يد القوى الدولية، كما أن البلاد تواجه أزمة خطيرة تهدّد وحدتها الوطنية.
ولا أبالغ أو أجافي الحقيقة إذا قلت إن الرهان على القوى الدولية لن يجعل اليمن في أحسن حال من أفغانستان أو العراق أو السودان، ماذا فعل المجتمع الدولي لهذه البلدان حينما دولّها سوى تدميرها ثم فرّ هارباً تاركاً لها عرضة للتمزُّق والخراب والفوضى..؟!.
أقول للقوى السياسية في اليمن: تصالحي مع قواعدك أولاً ومع الشعب ثانياً لكي نبني اليمن ولكي نفوّت الفرصة على من يريد بعث التراكمات النفسية والاجتماعية والسياسية بهدف تفجيرها، واليمن كما تعلمون مهيّأ لفقد أغلب الروابط والأواصر التي كانت تشدُّ لحُمته وتراصه.
إن نظرة متبصّرة إلى الواقع السياسي والاجتماعي اليمني منذ 2011م وحتى اليوم؛ يدرك أن البلد يسير في منزلقات خطيرة غير محمودة العواقب، إن اليمن يمر بمرحلة خطيرة ظاهرها الحرية والديمقراطية وبناء يمن جديد وجوهرها ضرب البُنية الاجتماعية والسياسية وتهدد بطمس الهوية الوطنية اليمنية.
خلاصة القول: إن تعيين مبعوث بريطاني خاص إلى اليمن يثير أكثر من سؤال خاصة أن بريطانيا هي المسؤولة عن الملف الاقتصادي، ولا أعتقد أن تعيين المبعوث يأتي في هذا الجانب، أي الوضع الاقتصادي الذي يعاني صعوبات مالية واقتصادية وارتفاع العجز في الموازنة، ومع ذلك هناك إصرار بريطاني، ألماني على المضي نحو الأقاليم.
حل القضية اليمنية في يد أبنائها، والوضع يحتاج إلى مصالحة حقيقية تخصُّ الشعب ولا تخص أصحاب التيارات السياسية.