وصلت الحرب إلى نهايتها، وأعلن وقف إطلاق النار وأصبحنا أمام تثبيت الهدنة، تنفّس اليمنيون الصعداء، لأن جولة أخرى في الصراع أضيفت إلى كتب التاريخ التي سجّلت الكثير من الجولات منذ ثورة 26 سبتمبر، ويستطيع المتصارعون الانتقال إلى جدول عمل آخر.
ولن يتوقف أي من أطراف الصراع أمام مراجعة النفس، فسوف يعلن طرف من هذه الأطراف أنه انتصر، وسيعلن الطرف الآخر أنه كان ضحية لمؤامرة استهدفته وقضت عليه، الضحايا كثيرون، والبيوت المدمّرة كذلك كانت كثيرة، لكن ذلك كان مشبعاً لكثير من الغرائز العدوانية.
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل فعلاً توقفت الحرب أم هو الهدوء النسبي الذي تستأنف بعده جولات جديدة من الحرب، وسؤال آخر يواجهنا أيضاً: ماذا بعد ما حدث في العاصمة صنعاء..؟!.
البعض يقول لا شيء؛ فما حدث لم يكن سوى جملة اعتراضية، وربما يكون ذلك مدخلاً لإعمال «البند السابع» الذي دخلت اليمن بموجبه تحت الوصاية الدولية برغبة من أطراف سياسية يمنية، البعض الثاني يقول إن ما حدث في صنعاء سيكون بداية لتسوية حقيقية، أو بالمصطلح العسكري نقل الأمر الواقع من حالة السكون إلى حالة الحركة التي تمزج الصراع مع التعاون مع التحالفات الصامتة، البعض الثالث يرى أن الصراع الحوثي ـ الإخواني ربما وجد لنفسه مدخلاً في علاقات القوة والتوازنات الجديدة وخاصة بعد صراع دام منذ قيام ثورة 26 سبتمبر وصولاً إلى الربيع الذي لم تنبت له زهرة واحدة، أما البعض الرابع فهو يعتبر ما جرى نوعاً من التثبيت الوطني بعد أن مارس الجميع العنف بطريقة دورية كانت عقدة التاريخ حاضرة في كل مراحله.
لا شك أن الرؤى ستتعدّد، ولكن ما يهمّنا هو كيف ينظر الحوثيون والإخوان المسلمون إلى الحرب التي انتهت داخل العاصمة صنعاء، وهل سيبدأ الطرف المنهزم بإعادة دورة الحرب من جديد والدفع بمن سيكون على استعداد للمساهمة في إعادة فتح المعركة بشكل أو آخر إيماناً بأحقية الإخوان بالاستاذية وبناء العالم والاستخلاف في الأرض أو حتى لإبراء الذمة..؟!.
الحقيقة أن المعضلة الحقيقية هي أن الدولة ضعيفة، والقوى السياسية تتسابق إلى مصالحها على حساب مصلحة الدولة، وهذا سيجعل الأطراف المتصارعة تتمدّد وتنكمش على حساب الدولة وهيبتها.
الجديد في الحرب الأخيرة هو أنها لم تكن بين الحوثيين والدولة كما كانت في الماضي وإنما كانت بين الحوثيين وجماعة الإخوان المسلمين بدليل تنصُّل قيادات من حزب الإصلاح عن هذه الحرب، فقيادات الإصلاح السياسية استبعدت من القرار الإخواني ليذهب الإخوان إلى إدارة المعركة، لم تكن جماعة الإخوان تدرك خطورة تفكيك الجيش والأمن وما سيترتب على ذلك من اختلال في توازن القوى.
ولست بحاجة إلى القول إن الإخوان قوّضوا شبه الدولة التي كانت قائمة وقوّضوا كذلك مؤسساتها وحشدوا الناس وراء الجماعة ولم يحشدوهم حول الدولة، ولم تتردّد الجماعة عن إلقاء اللوم بعد ذلك على الجيش أو الرئيس السابق، فطالما خاضت الجماعة الحرب مع الحوثيين، فإنه على الآخرين استكمال المهمّة وإلا فسيكنون خونة ومتآمرين.
لقد شاهد الجميع كيف تعامل الإخوان مع الجيش ومع الأجهزة الأمنية؛ فقد سعوا إلى تفتيتها تحت مسمّى «الهيكلة» وحينما جاءت الحرب والنزال والدماء النازفة نادوا: أين الجيش، أين الدولة..؟! لذلك أقول للحوثيين عليهم ألا يكرّروا نفس الخطأ وألا ينهبوا المعسكرات، لأنه دون دولة لن يحميهم أحد من القادم.
وعليهم أن يفتحوا صفحة للتعايش ولابد من عدم اللجوء إلى المفاخرة والمغامرة، وعلى هذه الجماعة أن تتعظ من التاريخ، وأن تنضوي تحت راية الدولة، وأن تزاوج بين شعاراتها في الدولة المدنية والواقع، وعليها أن تسقط شعاراتها التي تدلُّ على خداع الجماهير لأنها على أرض الواقع ذهبت لحماية السفارة الأمريكية وهذا هو المطلوب أصلاً.
أقول على الحوثي أن ينهج طريقاً مختلفاً بعد أن فتحت له الطريق إلى صنعاء، فعليه أن يسلك طريق التسوية التي تنهي التناقض التاريخي الذي أدّى إلى الحروب ونفي كل طرف للطرف الآخر، لابد من إنهاء الصراع ومراعاة الأمن لكل الأطراف لتجنيب اليمن الفوضى والحرب والتطرُّف والإرهاب.
علينا جميعاً أن نحمي اليمن من التطرُّف والغلو ونوبات العنف والقتل والتدمير، ونضع مكانها ثقافة جديدة للبناء والتعمير وليس انتظار حرب قادمة، أما إذا استمر الأمر على ما هو عليه؛ فإن حرباً قادمة يجري تصنيعها الآن من خلال حلول وقتية ترفع ضغط المعارك والمشاهد المفزعة والأجساد النازفة، بعدها سنجد طرفاً ما يظهر لمعادلة الموازين التي ستقود إلى انهيار اليمن؛ إما أن يكون هناك توجه نحو الحرب أو نحو السلام.
وعلى الحوثي أن يستفيد من أخطاء الرئيس صالح حينما ذهب لتقاسم السُلطة بعد حرب 94م على حساب أطراف أخرى وأخطاء الإخوان في حكومة الوفاق حينما ألغوا أطرافاً ودمّروا الجيش ومؤسسات الدولة، فإذا كرّر ما فعلوه فإنه سيقود البلاد إلى جولة جديدة من الحرب وليس السلام.