عبر تاريخ الدول والأمم كان العسكر هم صناع النصر سواء تلك الدول التي يحكمها مدنيون أو تلك التي يحكمها عسكريون.
ولست بحاجة للقول إن ثورة سبتمبر وأكتوبر كان صناعها الحقيقيون هم الجنود أولاد الفقراء الذين جاءوا من قرى اليمن الذين انخرطوا في السلك العسكري ، لقد خاض هؤلاء الحرب ضد الأئمة والاستعمار الانجليزي ثم ضد القوى الرجعية التي أرادت إسقاط الثورة ،فأستشهد منهم من استشهد واصيب الكثيرون ونحن اليوم نرى اليمن بفضلهم مختلفة عن تلك التي عرفوها قبل الثورة وبعدها.
توحدت رؤيتهم الوحدوية ظناً منهم أن الوحدة اليمنية ليست ملك اليمنيين فقط وإنما هي ملك كل العرب الذين ناضلوا من أجل الوحدة العربية منذ خمسينيات القرن العشرين فابوا أن يفرطوا في هذه الوحدة وقاتلوا في سبيلها ونيابة عن الوحدويين من اخوانهم العرب الذين قتلوا وماتوا أو سجنوا بسبب الوحدة العربية التي تعد الوحدة اليمنية حلقة من حلقاتها ،قاتل الجيش والأمن عام 94م في سبيل الوحدة والتحمت هذه المؤسسة من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب ومن اقصى الشمال إلى آخر نقطة في الجنوب ،وبعد أن انتصروا للوحدة عادوا إلى ثكناتهم ،لكن الفساد انتشر بسبب التقاسم الحزبي وتكونت طبقة من الأثرياء كونوا ثرواتهم غالباً من عرق الفقراء والسمسرة بقضايا الوطن، وانتهى المشروع الوحدوي لليمنيين فتحولوا من شعب متوحد ذهنياً ونفسياً إلى مجموعة من السكان لايجمعهم سوى التجاور في المكان بينما يسعى كل منهم إلى الانتصار لمنطقته أو قبيلته.. انتشر الفقر بشكل مخيف فلجأ الناس إلى شراء الفيز وعقود العمل في دول الجوار ومنهم من خاطر بحياته وتسلل بشكل غير قانوني مخاطراً بحياته بعد أن يئس من الحصول على لقمة عيش آمنه في بلده اليمن.. بعد العام 94م تحولت الدولة من كائن معنوي وظيفته توفير احتياجات المواطنين إلى سلطة تتقاسمها الأحزاب ومراكز القوى وأدارت ظهرها لملايين الفقراء وتركتهم يواجهون مصيرهم لوحدهم لا علاج ولا تعليم ولا مسكن ولا عمل ، إذا أردت أن تشاهد جرائم الأحزاب السياسية التي تقاسمت السلطة منذ العام 90م ماعليك إلا أن تذهب إلى المهرة أو الحديدة أو الجوف لتجد بشراً يمشون على الأرض أحياء وهم أموات هذه الصورة منتشرة في كل أرجاء اليمن ،في ظل مراكز القوى تحولت اليمن إلى بلدان منفصلة ومتناقضة في كل شيء ،لكنها تحمل نفس الأسم اليمن السعيد في منطقة حدة في العاصمة صنعاء وساحل أبين في العاصمة الاقتصادية عدن ،حيث يعيش الأغنياء في فلال ويركبون أفخر السيارات المدرعة ،هؤلاء لايحتاجون إلى الدولة ولا في الاستثمار فهم يعالجون في الخارج إذا مرضوا ويلحقون ابناءهم في مدارس وجامعات خاصة داخل اليمن وخارجها.
أما بقية اليمن المنسية الغارقة في الظلام فيعيش فيها أكثر من عشرين مليون من الفقراء متروكون في العراء كانت تتعامل معهم السلطة وكأنهم طائفة من المنبوذين لايجدون وظائف ولا عمل ولا دواء ولا كهرباء ولا مياه نقية ولا تعليم حقيقي ،حياتهم أو موتهم لايعني السلطة في شيء إذا ذهب أحدهم للعلاج في المستشفيات العامة سيموت من الإهمال أما المستشفيات الخاصة فلا تقبل علاجهم مهما كانت حالتهم خطيرة قبل أن يودعوا مئات الآلاف من الريالات في خزينة المستشفى هؤلاء يفرون إلى دول الجوار منهم من يموت ومنهم من يسجن ثم يرحل بعد أن تهدر كرامته ومنهم يسرق جهده والحكومة تتفرج عليهم وتعتبر قتل الضباط والأفراد والمدنيين منهم مجرد أحداث مؤسفة أو قضاء وقدر، إن إهمال الحكومة للفقراء لم يكن نابعاً عن إهمال وفساد فقط وإنما شكل فلسفة اجتماعية تقوم على احتقار الفقراء لأنهم فشلوا في الثراء وبالتالي عليهم أن يجدوا حلولاً لمشاكلهم بعيداً عن الحكومة، في العالم كله الحكومة وظيفتها توفير حياة كريمة لمواطنيها إلا في اليمن فإن الحكومة لاتجد من واجبها توفير الأمن والاستقرار والعيش الكريم لمواطنيها.
لقد نزل مجموعة من الشباب مطالبين بإقالة الحكومة ،لكن الأحزاب السياسية التي تقاسمت الحكومة ارتعدت فرائصها وشنت حملة واسعة خونت المطالبين باقالة الحكومة ، مع العلم أن البلدان الديمقراطية يعتبر الناس الحكومة موظفة لدى الشعب ومن حقهم مساءلتها وإذا انحرفت عن المسار فإن البرلمان يسحب الثقة فيها لكننا أمام تقاسم للبرلمان والحكومة وأصبح الشعب هو الضحية.