هل نحتاج الى مرافعة لكي نثبت أن الرئيس عبدربه منصور هادي هو اليوم رئيس لكل اليمن شماله وجنوبه, شرقه وغربه وأن من اختاره لتولّي هذا المنصب السيادي هم جميع أبناء الوطن من المهرة الى صعدة وأنه بموجب هذا الاختيار صار معنياً بالتعامل مع كل اليمنيين على درجة من المساواة ومن دون أي تمييز أو أفضلية لفئة أو منطقه أو شطر بعينه ؟
وهل نحن بحاجة لتذكير اللواء/ خالد باراس رئيس الحراك الجنوبي المشارك في مؤتمر الحوار الوطني وبقية من انضموا الى طابور الدفاع عن الرئيس هادي من زاوية انتمائه المناطقي بوصفه ( خطاً أحمرَ ) للجنوبيين تحديداً, إنما هم بذلك التوصيف يسيئون إليه من حيث لا يدرون بل انهم بمثل هذا الطرح ينتقصون من تاريخ الرجل ووحدويته إن لم يتصادموا مع مشروعه الجامع والحاضن لمشروع الدولة العابر لكل المناطق و"الجهويات" وكل المشاريع التقسيمية ليكونوا بذلك أكثر تربصاً بالرجل من القوى الشماليه التي يتهمونها بالسعي الى الانقلاب عليه وعرقلة جهوده على صعيد تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار والانتقال بهذه المخرجات من الجانب النظري الى الواقع العملي حيث وأن الدفاع عن الرئيس بوصفه جنوبياً هو منطق لا يجوز إسقاطه على شخصية وطنية تمثل رمزية لكل اليمنيين؛ لذلك فإن من جنحوا الى الدفاع عن الرئيس من زاوية الرابطة المناطقية إما أنهم من خانهم التعبير او أنهم الذين لازالوا يعتبرونه ممثلا للجنوب في السلطة وهو اعتقاد خاطئ, فالرئيس هادي ومنذ تسلُّمه رئاسة اليمن في فبراير 2012م كمرشح أوحد في انتخابات توافقية أصبح رئيساً لكل الوطن الذي يحاولون إظهاره ككيانين لكلٍ منهما هويته وعصبيته.
قد يكون من باب المصادفة او نقيضها أن أقرأ في يوم واحد ــ وتحديداً الأحد الماضي ــ ثلاثة تصريحات تناقلتها المواقع الخبرية على شبكة التواصل كان الأول منسوباً للواء خالد باراس رئيس الحراك الجنوبي المشارك في مؤتمر الحوار والثاني للناشط الجنوبي أحمد القنع, فيما جاء الثالث على لسان جياب اليافعي أحد قيادات الجالية في أمريكا الجنوبية ولعل ما بدا لافتاً في التصريحات الثلاثة هي تلك التحذيرات المبطنة لبعض الاطراف الشمالية من أن الجنوب لن يسمح لهذه الأطراف أوغيرها بزرع الأشواك في طريق هادي باعتباره يمثل ( خطاً أحمرَ) لكل الجنوبيين وهو قول مُحِق وصائب لو انه كما أشار الأستاذ علي العمراني وزير الاعلام السابق قد ابتعد عن الرابط الشطري والتلويح باستعادة دولة الجنوب كما ورد صراحة في تصريح اللواء باراس مع أن لغةً كهذه لا ينبغي ان تظهر في أي حديث يخص شخصية بحجم رئيس الجمهورية والذي لاشك أنه يؤمن تماماً بأن الوحدة هي الحاضنة الحقيقية للمشروع الوطني وأنها قاطرة الدفع التي تجتمع فيها قدرات كل القوى الوطنية في الشمال والجنوب من أجل بلوغ المستقبل الآمن والمزدهر.
لم أجد فرقاً بين من يدافعون عن ( جنوبية ) الرئيس هادي بوصفه تارة بـ (خط أحمر) لا يجوز الاقتراب منه, ناهيك عن تجاوزه وتارة بدعوته إلى ترك العاصمة صنعاء والعودة الى عدن وبناء دولة الجنوب وبين أولئك السياسيين الذين لا همَّ لهم سوى اللهث وراء مصالحهم عبر أية وسيلة مشروعة او غير مشروعة, فهم من ينتظرون عادة اية فريسة ينقضون عليها لإشباع جوعهم ونهمهم حتى لو كانت هذه الفريسة هي بلادهم ووطنهم, فلا فرق بالنسبة لهم إن بقيت اليمن موحدة أو تفككت و تشرذمت الى عدة كيانات او دويلات فهم جاهزون للأولى وجاهزون للثانية ولديهم الادوات اللازمة للتعايش مع كل منهما .
هناك اليوم من المزايدين والمهللين والباحثين عن منصب أو مكسب أو منفعة من لا يتجاوز دورهم التلاعب بالمفردات والمقاربات الاعلامية غير المنطقية التي يغلب عليها النفس المناطقي الكريه التي لا فائدة ترجى منه سوى انه الذي يؤجج نار الاحقاد والضغائن بين ابناء الوطن الواحد وازعم هنا ان الرئيس هادي الذي فتح البلاد على افق جديد من التواصل والتوافق الوطني وجمع مختلف مكونات المجتمع اليمني على طاولة الحوار وتحمل موجبات المرحلة الانتقالية في مساراتها السياسية والتنفيذية هو من يعلم الكثير والكثير عن تناقضات الواقع وانه من يدرك ايضا ان جزءاً من ابناء هذا الوطن غائبون او مغيبون عما يجري حولنا من احداث وما تحمله هذه الاحداث من معان ودلالات .. وجزء آخر يتصور أن بإمكانه محاسبة الحاضر من خلال الماضي .. وصنف ثالث يعتقد ان بوسعه عبر الدفاع عن (جنوبية) الرئيس الضغط عليه ودفعه للانحياز الى الجنوب واتخاذ قرارات تصب في صالح فئة على حساب فئة اخرى .. وصنف رابع يتميز بخيال واسع وعريض يرنو من بوابته الى اعادة تشكيل البلاد على هواه وحده .. وصنف خامس يرى في تضخيم ( مظلوميته ) وركوب موجة هذه ( المظلومية ) ما سيجلب به مساندة القوى العالمية وبما يعضد مواقفه لإعادة عقارب الساعة الى الوراء ليس إلى زمن ماقبل الوحدة او حقبة ماقبل الثورة اليمنية وإنما إلى أدغال ماقبل التاريخ السحيق. لا أدري كيف وقع اللواء خالد باراس في ذلك الطرح غير المتوازن وكيف جعل من (الخط الاحمر) يفقده حالة الاعتدال التي يتميز بها مع انه الذي لا يجهل أن الرئيس هادي هو من يؤدي مهمة وطنية وسيغادر ذات يوم كما غادر من سبقه كرسي الرئاسة ؟بل وكيف غابت عنه ايضا حقيقة أن (الخط الاحمر) هو خط ضبابي الشكل ومتناقض المعنى فعلماء النفس يقولون عنه انه لون الحب وعلماء الطاقة يقولون إنه لون الانتماء وهناك من يوصفونه بأنه لون الدم والنار التي تحرق وما أخشاه هنا أن نكرر خطيئة الماضي حين أمعنّا في استخدام مصطلح (الخط الأحمر) على كل شي, فالجمهورية خط أحمر.. والوحدة خط أحمر .. والديمقراطية خط أحمر ..
والدستور خط أحمر.. والقوات المسلحة خط أحمر .. والامن والاستقرار خط أحمر .. والرئيس خط أحمر.. ورئيس الوزراء خط أحمر ..حتى صارت لدينا سلسلة طويلة من الخطوط الحمراء الى درجة لم يعد فيها المواطن قادرا على السير في أي اتجاه .ومع ذلك فلم يمنع (الخط الأحمر) الناس من عبوره وتجاوزه سواءً في إشارات المرور أو في ما يتصل بالثوابت الدينية والسياسية والاجتماعية ومن غير الواقعية أن نعود إلى استخدام هذا المصطلح لتعميق نوازع الانتقام والإقصاء وإذكاء النعرات المناطقية والتمييز المناطقي والاستقواء على الوحدة, خصوصا وأن مثل هذه الصيحات المحتقنة تحمل اسئلة كثيرة الارجح ان تشكل الاجابة عليها مدخلا لاحتقانات جديدة الوطن في غنى عنها.
أعتقد أن اليمنيين معنيون جميعاً بالدفاع عن شرعية الرئيس الذي انتخبوه بمحض إرادتهم وليس من حق جماعة أو فئة أو أشخاص احتكار الدفاع عنه من منظور شطري أو مناطقي أو جهوي باستخدام (الخط الأحمر)أو غيره من الخطوط ..فالخط الأحمر الذي لا ينبغي لنا أن نختلف عليه هو كرامة هذا الوطن والحفاظ عليه من جحيم المؤامرات باعتباره وطننا جميعاً ولا وطن لنا غيره .
اخبار اليوم