هناك جنودٌ مجهولون كثيرون في هذا الوطن ينبغي على الصحافة والإعلام البحث عنهم وإطلاع الناس على ما يقدّمونه من نماذج خلّاقة تصبُّ عصارة جهدهم بما يعود بالنفع على الوطن والمواطن.
ومن هؤلاء الدكتور محمد حسن الشرعبي، وهو طبيب قلب ماهر لم أتلقّى على يديه خدمة تطبّية حتى أجامله هنا؛ ولكنني تعرّفت عليه مؤخّراً, ومن خلاله وآخرين عرفت قصّة كفاح علمي وعملي تستحق التبيان وقصّة رؤية مهنية ووطنية تستحق الإشادة والتحفيز.
الدكتور محمد حسن من مواليد منطقة الأمجود شرعب في أواخر خمسينيات القرن الماضي, وقبل أن يبلغ عمره الخامسة كانت الملاريا قد حصدت أرواح العشرات في منطقته وفي مقدّمتهم والده, وهو قال لي إن وفاة والده بذلك الوباء كان له بالغ الأثر في تحديد مساره العلمي والعملي، ومطلع ستينيات القرن الماضي أتيحت له فرصة الذهاب إلى عدن عبر أقارب كانوا قد سبقوه إلى تلك المدينة التي كانت آنذاك حاضرة مدائن الجزيرة العربية والخليج ومنارة علم وثقافة, فبدأ يتلقّى تعليمه واضعاً نصب عينيه أن يصبح طبيباً يداوي الناس ويمنحهم ما حُرم منه والده وأهالي منطقته.
التحق بداية بالمعهد الصحي، وعندما علم أن ذلك سيمنحه دبلوماً صحّياً ولن يؤهله لإكمال دراسته الجامعية في مجال الطب؛ لم يرفع الراية البيضاء ولكنه أضاف إلى الدراسة الصباحية في المعهد دراسة مسائية للمرحلة الثانية، فأكمل الدراستين بتفوّق, وهو ما جعله يتحصّل على منحة دراسية إلى الاتحاد السوفييتي “سابقاً” فعاد من هناك ببكالوريوس في الطب.. وما يستحق الإشادة وينبغي أن يكون نموذجاً يُحتذى به هو تغليب محمد حسن للجانب المهني والوطني على ما سواهما, فعلى الرغم من توجُّهه اليساري وتشرّبه آنذاك المبادئ الاشتراكية؛ إلا أن ما عرفته من قيادات يسارية من أبناء منطقته ممن انخرطوا آنذاك في صفوف الجبهة الوطنية التي خاضت حروباً مع القوات الحكومية في شرعب والمناطق الوسطى هو أنه رفض أن يكون فقط طبيباً للجبهة وعناصرها أثناء فترة تواجده في مسقط رأسه.
وفي هذا السياق صادفت مؤخراً قيادياً جبهوياً من أبناء منطقته وكان اسمه الحركي «عواد» وقال لي: في ذلك الوقت طلبنا من محمد حسن أن يكون طبيباً خاصاً بالجبهة؛ فرفض وقال إن انتماءه الأول إلى مهنة الطب وكل الناس الذين يحتاجون مساعدته وجهوده, وكاد أن يدفع حياته نتيجة تهوّر البعض ممن اعتبروا قراره تمرّداً تنظيمياً, لكن العقلاء في القيادة تفهّموا موقفه.
الدكتور محمد حسن الذي يعمل حالياً في «مستشفى الشرطة العام» قال لي إنه متفائل بمستقبل الأمة ومستقبل المهنة، فسألته عن سر تفاؤله فأجاب: أنا درست في روسيا وأحترم من تعلّمت على أيديهم هناك, ولكن بصراحة عندما ذهبت إلى مصر للدراسات العليا وجدت فطاحلة وقامات طبية أكاديمية ومهنية يتفوّقون على نظرائهم في الغرب والشرق ويستحقّون أن نقول إنهم «أهرامات تتحرّك» كما أن تفاؤلي بمستقبل الأمة ينطلق من كون مصر هي رائدة الأمّة, ومادام الرئيس السيسي قد أعاد مصر إلى الطريق الصحيح؛ فإن الأمور تبشّر بالخير.
alhayagim@gmail.com