قولوا للحوثي إن الزنداني مثلاً لا يحب الغناء - وهذا شأنه - وربما يراه كالحجوري منكراً وحراماً - وهذا شأنه أيضاً - كما لطالما حرّض التطرُّف السنّي ضد مبدعين ومثقّفين وفنانين؛ إلا أنه الإجراء الذي لم يكن مقبولاً على نطاق واسع، فضلاً عن خطورته كإجراء ينطوي على فتوى تكفيرية أو للقتل عبر الجهل واستغلال الدين... إلخ، رغم ذلك فإن أتباع هذا التطرُّف على الأقل لم يقوموا بمنع المغنّين بالبطش المباشر والسافر - كما حدث مع الفنان نبيل العموش من قبل جماعة الحوثي في عمران مؤخراً وإجباره على كتابة تعهد - أو يمنعوا الناس من سماع الأغاني في الأعراس، مصادرين لفلاشات السيارات بالقوّة الإجرائية التي تتبعها تلك الجماعة في صعدة وعمران.
والشاهد أنها ممارسات تنكيلية لا أسوأ منها غير إنكار أزلام جماعة متخلّفة كهذه لها أو تبريرهم الديني المقرف كتطرُّف مقابل لتطرُّف يقولون إنهم ضدّه وإنهم مختلفون عليه وإنهم أكثر تطوّراً واحتراماً للخصوصيات.
بينما في الواقع أن «عز الدين أضرط من أخيه» ولعل الفارق البسيط هو استمرار تمسُّك الحوثيين بالزعم أن جماعتهم ضد تخلُّف ما يسمّونهم بالتكفيريين، مع أن دلائل عديدة - ومسألة الغناء من أبسط الدلائل طبعاً - تكشف أنهم أشد منهم في محاربة الحقوق والحريات الشخصية، وأن غايتهم هي استبدال تطرُّف بتطرُّف آخر.
تذكيراً يا عبد الملك الحوثي: أكدت جماعتك في موفمبيك أنك تريد «مدنية» إلا أن النتيجة الطبيعية الساطعة هي الانفصام التام بين القول بالمدنية والممارسة لها.
وباختصار شديد؛ أنت ككل الكائنات الدينية المتطرّفة لا تبالي بشيء مثل التفوُّق على خصومك بنفس الأدوات لكن بأساليب أشد جبرية وإكراهاً، أساليب عملت على المغالطة والمراوغة والخداع والتدليس باسم المدنية في موفمبيك، وفي الحقيقة لا تحترم جماعتك حق اختيار الناس باعتبارهم مواطنين عقلاء في اختيارهم الشخصي لا بصفتهم رعايا بلا نضج أو كرهائن بلا إرادة، لكأن حظّهم الوحيد والنابه في هذه الدنيا هو ما يقرّره مزاجك المأزوم وتصوراتك المحدودة فقط.
fathi_nasr@hotmail.com