يصادف يوم الأحد القادم الذكرى السادسة والأربعين لأحداث أغسطس المشئومة التي جرت في صنعاء عاصمة الجمهورية الخارجة من حصار السبعين منتصرة على فلول الإمامة المندحرة، واستمرت في الفترة من 18 أغسطس حتى الرابع والعشرين من نفس الشهر . عجزت قوى الماضي المتخلف آنذاك عن النيل من الجمهورية ، ولكنها تضافرت مع «القادة الخونة» الهاربين من الحصار إلى الشقق المفروشة في القاهرة والجزائر ودمشق ؛ والذين عادوا بعد انتصار الثوار ليشقوا صفوفهم بالعصبيات والاصطفافات الطائفية ؛ لتكون النتيجة ذبح الثوار الذين صمدوا ودافعوا عن صنعاء في شوارعها « مكافأة »لهم على صمودهم وتضحياتهم.
«الأدوات القبلية والعسكرية» التي نفذت هذه التصفيات القذرة للثوار ؛ هي من نفس نوعية «الأدوات القبلية والعسكرية» التي يستعيدها اليوم «السيد الجديد» ليستخدمها في الاستيلاء على عمران والجوف ، ويحشدها حول عاصمة الجمهورية واليمن الموحد صنعاء الثورة والتاريخ ، لينتقم منها ومن سكانها ، وليعيدوا الكرة الإمامية الهمجية التي حدثت في 1948 مرة أخرى.
ذكرى القبح الطائفي تأتي هذه المرة مع توقد «الحلم الإمامي» وصعوده ، ومضيّه في إعادة إنتاج الفرز على الهوية والمذهب والطائفة ليتسنى له تصفية فواتيره القديمة والجديدة مع الجمهورية والحلم اليمني البازغ في 2011.
الآن بعد 46 عاماً يأتي 24 أغسطس المشؤوم هذه المرة أكثر اقتراباً من معناه ، وأكثر احتمالاً للتطابق مع الجحيم الذي تكرس جماعة الحوثي نفسها لفتح أبوابه كلها أمام اليمنيين.
ومع ذلك نقول إن ما بين أغسطس 68 ، وأغسطس 2014 ستة وأربعون عاماً لا يمكن تجاوزها بـ « صرخة عدم ». صحيح أنها تاريخ مليء بالانكسارات والتشظيات ؛ غير أنها أي هذه التشظيات والانكسارات على فداحتها تبقى ضئيلة مقارنة بحجم المياه الضخمة التي جرت في نهر الحياة اليمنية وما أحدثته من تحولات وتغيير.
مياه كثيرة جرت في نهر الحياة اليمنية ولا مجال لإعادة التاريخ الى الوراء. حتى وإن بدا مشروع الحوثي صاعداً ، لأن الحقيقة الأهم أنه حركة فتية في جلباب قديم ومتهالك يخنقها ولا يمكن أن تكون مشروعاً قابلاً للامتداد الوطني في هذا الجلباب، الحديدي الذي لا فكاك لها منه إلا بكسر «الحركة» بشكل جذري وإعادة بنائها على أساس وطني ، وهذا هو المستحيل بعينه،لأن فيه نهايتها كأستراتيجية خاصة للنخب الساعية للسلطة والسيادة على ظهر بنيتها البشرية العضلية « القبائل» ، والسيادة كفئة على ما عداها كامتياز سلطوي واجتماعي.
وما يبدو صعوداً ليس إلا تعبيراً عن فراغ انتقالي متطاول واستثنائي ومخيف، تملأه الحركة في شمال الشمال وصولاً إلى العاصمة. وهو استثنائي في كونه تجاوز بأضعاف حالة الضعف والاهتزاز المتوقعة في ظل أي مرحلة انتقالية.
اقتحام المدن ليس نهاية المطاف ولا ضمانة لاستقرار الحكم بيد الحوثي ، ولكنه الخطوة الأولى في طريق مظلم وطويل من الانقسام الوطني والاحتراب والفتن والدويلات والكانتونات الطائفية والمناطقية. وأول الدرس الذي يقدمه هذا الاستيلاء أنه حدد مداه بحدود «دولة الإمام يحيى» «ج. ع. ي» ، حيث تسعى أطراف عديدة في الداخل والخارج لرسم خارطة جديدة لليمن ، كلفت بموجبها جماعة الحوثي بإمساك الشمال وترك انفصال الجنوب ليرعاه « المعنيون في الخارج».
هذه السيناريوهات المشبوهة ليست قرآناً منزّلاً من السماء حتى يتبعها اليمنيون. وهذا المسار ليس حتمياً وقضاء وقدراً ليتحقق.
إرادة اليمنيين أقوى من هذه الجماعات المسلحة السوداء. وهذه الإرادة وإن بدت خامدة الآن، غير أنها موجودة وقادرة على تبديد كل هذه الخرائط الاستعمارية الجديدة ومقاومة السيناريوهات التمزيقية التدميرية التي يراد لليمن واليمنيين أن يغرقوا فيها ، وما حروب الحوثي وإرهاب القاعدة والاستنزاف المتواصل منذ ثلاث سنوات سوى ملامح واضحة من هذا المسار الذي يهدد كل كيان اليمن ووجوده وليس فقط التسوية السياسية والمرحلة الانتقالية ومخرجاتها .
****
يبترعون في مخيمات الموت استعداداً للسيطرة على العاصمة صنعاء ونهبها، والسلطة الانتقالية تجتمع بسلاحف الأحزاب !.
المخيمات الممتلئة بالمسلحين التي طوقوا بها العاصمة حالة مستحدثة وخارجة عن القانون والدولة أولاً قبل أن تكون خارجة على وثيقة المخرجات الحوارية ..
وكان التصرف الطبيعي هو منع إقامة هذه المخيمات اللوجستية المسلحة من البداية ، مع السماح بالتظاهر السلمي، وإزالة هذا التهديد الأمني للعاصمة الآن لا يحتاج إلى «توافق وطني» جديد من الوجوه الحزبية الكالحة التي اجتمع بها الرئيس ، وإنما لإحساس بالمسؤولية عن أمن أربعة ملايين مواطن هم سكان العاصمة وضواحيها.
نحتاج كشعب يعتريه القلق والمخاوف إلى رؤية حزم الدولة وهيبتها الآن وليس إلى لجنة وساطة جديدة تفاوض الحوثي على مخيماته حول العاصمة وكأنها أصبحت ثابتاً يتفاوض عليها ، وتبادل النظرات الحائرة في نشرة التاسعة مع الوجوه المكفهرة لديناصورات المشترك والمؤتمر.
والشعب يحتاج إلى رؤية رئيسه مجتمعاً بمجلس الدفاع الوطني بوجوه صارمة وقامات مشدودة ونظرات حازمة وقرارات حاسمة ، وليس رؤيته مجتمعاً بالوجوه المقيتة لزواحف التوافق على الخراب الوطني.
«من ضيع الحزم في أوقاته ندم ».
مـاذا أحـدث عـن صـنعاء يا أبتي؟
مـليحة عـاشقاها: الـسل والـجربُ
مـاتت بصندوق «وضـاح» بلا ثمنٍ
ولـم يمت في حشاها العشق والطربُ
كـانت تـراقب صبح البعث فانبعثت
فـي الـحلم ثـم ارتمت تغفو وترتقبُ
لـكنها رغـم بـخل الغيث ما برحت
حبلى وفي بطنها «قحطان» أو «كربُ»
وفـي أسـى مـقلتيها يـغتلي «يمنُُ»
ثـانٍ كـحلم الـصبا... ينأى ويقتربُ
عبدالله البردوني