الوضع المتدهور والمتسم بأعلى درجات الخطورة السائد في العاصمة صنعاء جعل بعض الكتّاب والمحلّلين العرب والأجانب يتوقّعون سقوط «صنعاء» الذي يعني سقوط اليمن بأكمله, والبعض الآخر رأى أن سقوط صنعاء سينتج عنه وجود يمنين, وهذا الاستنتاج الخطير جداً لم يأتِ من فراغ, فلربما أن ما يُخطّط لليمن يسير في اتجاه تمزيق اليمن, ولهذا على اليمنيين بمختلف توجهاتهم السياسية والفكرية وانتماءاتهم المذهبية أن يتحمّلوا مسؤولياتهم الدينية والوطنية والأخلاقية في الحفاظ على وطنهم وإنقاذه من الانهيار, فقد بلغت الأوضاع حدّاً خطيراً لا يُحتمل, فصنعاء محاصرة, وتنظيم «القاعدة» يتحشد في كثير من المحافظات وفي العاصمة صنعاء مستغلّاً الظروف القائمة فيها, والمتصارعون كلٌ يريد فرض سطوته بالقوة, والدولة عاجزة عن فرض هيبتها ووضع حدٍّ لمثل هكذا صراع عبثي, ولم يعد بإمكانها سوى إصدار التصريحات المندّدة والمهدّدة، غير مدركة أنها سبب رئيسي من أسباب تفجُّر الوضع في صنعاء واندلاع القتال نتيجة لتردُّدها في الحسم, والتباطؤ في تنفيذ مخرجات الحوار الوطني وفق برنامج زمني, ما جعل بعض الأطراف المشاركة في الحوار تنقلب على ما تم الاتفاق والتوافق عليه في مؤتمر الحوار, وجعل البعض الآخر يماطل في تنفيذ استحقاقات المرحلة النهائية من التسوية السياسية, ويعمل على صب الزيت على النار وإشعال الحرب في العاصمة, ما أشاع الرعب لدى سكان العاصمة الذين نزح أغلبهم منها, وجعل البعثات الدبلوماسية تغادر صنعاء, وقيام شركات الطيران العربية والأجنبية بإيقاف رحلاتها إلى صنعاء..!!.
فهل تبادر الدولة بما تبقّى لها من قدرة لإنقاذ الموقف وإيقاف التدهور المخيف الذي أصبح الجميع يُعانيه شعباً ودولة, وإيقاف التصدُّعات العميقة التي أصابت الكيان الوطني بكل مقوّماته وقيمه الروحية والثقافية والأخلاقية, وعلاقاته الداخلية, والتي حوّلت اليمن إلى ما يشبه الكانتونات السياسية المتحكّمة فيها المليشيات ومراكز القوى والنفوذ في ظل انهيار شبه كامل لمؤسّسات الدولة وانحسار نفوذها, وتخليها عن القيام بواجباتها, وانعدام الشعور بالمسؤولية, وشيوع الفساد, والثقافات والنزعات العصبوية التصادمية التفكيكية, مما أدّى - وبشكل غير مسبوق - إلى استشراء التدخُّلات الخارجية وتحكُّمها في استقلالية الإرادة والقرار الوطني, ووضع البلاد تحت طائلة العقوبات الدولية..؟!.
إن تدهور الأوضاع في اليمن وخاصة بالعاصمة يحتّم على كل ذي عقل وحكمة ورأي سديد سواء كان من المتصارعين أم من الأحزاب والتنظيمات السياسية المتفرّجة, الإسهام في إيقاف مسلسل العنف, ومنع الاستمرار في الخسران, وإنهاء صراع المتوحّشين الذين لا يدركون أنهم لن يكسبوا شيئاً بل إنهم سيخسرون, وأن الأحزاب والسُلطة ستكون خاسرة أيضاً, وسيكون الوطن هو الخاسر الأكبر, فالإصرار على رهان الخسران ينذر بعواقب وخيمة ونتائج كارثية ستدمّر الجميع..إن الظروف الراهنة التي تمرُّ بها اليمن وبالذات العاصمة صنعاء تتطلّب تحكيم العقل والمنطق واعتماد مبدأ الحوار بدلاً عن لغة السلاح, والإدراك أنه عندما تنهار الدولة وتحل الكارثة فلن ينجو من نتائجها أحد, ومن يعتقد غير ذلك فهو واهم ولا يرى الأمور بعين الحقيقة, ولهذا أصبح صوت العقل مطلوباً أكثر من أي وقت مضى, ليُسكت الأصوات الناعقة التي تريد الزج باليمن نحو المجهول, والدخول في حرب أهلية طاحنة لن تبقي ولن تذر.