• أزمة السكن، هي واحدة من المشكلات التي تؤرق حياة الغالبية العظمى من أبناء المجتمع، خاصة في ظل غلاء الإيجارات السكنية وارتفاعاتها المطردة سنوياً بصورة غير معقولة، بعيدة عن العقل والمنطق ولا تتناسب إطلاقاً مع دخل الفرد وظروفه المعيشية، ولا تراعي الظروف الاقتصادية والاجتماعية لغالبية أبناء المجتمع، الأمر الذي يربك حياتهم اليومية ويحرمهم من التمتع باستقرار نفسي واجتماعي ومعيشي، باعتبار أن توفر المسكن اللائق أحد الشروط المهمة للاستقرار الاجتماعي.
• ومن أجل التخفيف من حدة هذه الأزمة الخانقة تم إنشاء مدن سكنية في عدد من محافظات الجمهورية، تعز هي المحافظة الوحيدة المحرومة من المدن السكنية رغم أن أبناءها يعانون نفس الأزمة السكنية الخانقة، حتى المدينة السكنية الوحيدة في تعز والتي تسمى «مدينة الصالح بالحوبان» لا ندري إلى أين وصلت إجراءات تسليم الشقق للمستفيدين وهي الإجراءات التي بدأت قبل عدة أشهر وحتى الآن لا نعلم أين انتهى بها المطاف؟!
• فبعد أن تقدم حوالي (5000) خمسة آلاف شخص للحصول على شقق المدينة التي لا تتجاوز الـ (870) شقة، وتم غربلة المتقدمين إلى حوالي (2000) شخص ممن تنطبق عليهم الشروط المطلوبة، إلا أن هؤلاء لا يزالون بانتظار القرعة التي لا تزال في علم الغيب، وتأخرها يطرح الكثير من الشكوك حول جدية القائمين على عملية التوزيع، خاصة وأن لدينا الكثير من التجارب التي تثبت أن كل فعل جميل وفيه فائدة للناس لا يكتمل.
• شروط التقدم للحصول على شقق “مدينة الصالح” لم تكن منطقية بشهادة الكثيرين، فمثلاً الشرط الذي يقول بأنه يجب أن يكون راتب المتقدم أقل من (80) ألف ريال، شرط غير منطقي، لأن أغلب الموظفين لدينا هم أصلاً تحت خانة ذوي الدخل المحدود حتى أولئك الذين رواتبهم تصل إلى (100) ألف ريال، نظراً للأوضاع المعيشية المتدنية التي أصبح فيها مبلغ كهذا لا قيمة له، ولا يشفع لصاحبه الخروج من دائرة ذوي الدخل المحدود.
• وإذا فرضنا أن عديد المتقدمين تجاوزوا شرط حد الراتب المطلوب، فإن أغلبهم سيفشلون في الخطوة التالية المتعلقة بتسديد الدفعة الأولى من ثمن الشقة التي يُقال إنها تصل إلى (700) ألف ريال أو مليون ريال، فبالله عليكم إذا كان الشخص من محدودي الدخل فمن أين سيأتي بهذا المبلغ؟! ولو أنه يمتلك مبلغاً كهذا لاشترى قطعة أرض صغيرة بسيطة وبنى عليها مسكنه الخاص ولو تدريجياً ولن يراهن بهذا المبلغ «تحويشة العمر» في الحصول على شقة لا تزال في علم الغيب.
• مبلغ كهذا لن يقدر على دفعه إلا الميسورون الذين سيدفعون بأقربائهم ومعاريفهم إلى تسجيل أسمائهم للحصول على أغلب هذه الشقق، التي بمجرد أن يفوزوا بها سيقومون بتسليمها إلى أصحابها الحقيقيين الذين دفعوا مبلغ المُقدم، وأعتقد أن هذا ما سيحصل، حيث سيذهب النصيب الأكبر من هذه الشقق إلى الميسورين وسيخرج محدودو الدخل من «المولد بلا حُمّص».
• الأزمة السكنية التي يعانيها المواطنون تتطلب البحث عن حلول سريعة وعملية, ومن هذه الحلول أن يتبنى القطاع الخاص بناء مدن سكنية، فهذا العمل هو من صميم واجباته ومساهماته المجتمعية، المفترض أن يكون صاحب المبادرة في هذا الجانب بأن يقوم ببناء مدن سكنية ثم يبيعها على المواطنين بالتقسيط، كما هو معمول به في عديد دول العالم، لكن القطاع الخاص في بلادنا لا يزال بعيداً كل البعد عن الدور المطلوب منه للإسهام في تحقيق الاستقرار الاجتماعي.
• للأسف الشديد عقلية القطاع الخاص في بلادنا لا تزال عقلية مادية بحتة لا يهمه سوى “مصلحته” وتنمية رأسماله، ولم يقدم شيئاً للوطن وأبنائه، فالوطن بالنسبة له ليس سوى مجرد أرض لبناء مشاريعه وشركاته ومصانعه، بينما المواطن هو مصدر تنمية ثرواته وأمواله المكدسة، أما الدور الذي من المفترض أن يقوم به هذا القطاع للمساهمة في تحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، باعتباره شريكاً فاعلاً في عملية البناء والتنمية، فتلك أمور لا وجود لها إطلاقاً في قاموسه، وإن وجدت فهي شاذة تحفظ ولا يُقاس عليها.
• القطاع الخاص يمتلك من الإمكانات ما يمكنه من بناء مئات الوحدات السكنية، ونحن هنا لا نطالبه بتوزيعها بالمجان، لكننا نطالبه بالاستثمار في هذا الجانب وسيحقق فائدتين؛ الأولى: قيامه بدوره المجتمعي، والثانية: استعادة كل ما خسره في بناء هذه الوحدات السكنية ببيعها على المواطنين بمبالغ معقولة وبالتقسيط، وعمل كهذا من شأنه أن يلبي حاجات الناس ويحفظ لهم آدميتهم ويصون كرامتهم.
k.aboahmed@gmail.com