القتال الذي خاضه تنظيم «أنصار الله» اليمني (الذي يعرف أنصاره بالحوثيين) أمس ضد حرس الرئيس عبد ربه منصور هادي، كان معركة صغيرة بكل المقاييس لتنظيم خاض حروبا مريرة ضد الدولة، ولكنّه مع ذلك يؤذن عمليّاً بانتهاء مرحلة تاريخية كبيرة من تاريخ اليمن، يمكّن، ابتداءها بقيام ثورة 26 سبتمبر /أيلول اليمنية عام 1962، ضد حكم المملكة المتوكلية اليمنية.
أنجز التنظيم بمعركته تلك حصار رئيس الجمهورية، بعد أن حاصر رئيس حكومته، وبذلك جعلهما رهينتين المطلوب منهما استخدام سلطاتهما على أشلاء ما بقي من أجهزة الدولة اليمنية من وزارات وجيش وأمن وإعلام لتنفيذ إرادة الحوثيين في السيطرة العامة على البلاد.
أول هذه القرارات المنتظرة من هادي، والتي كان رفض إصداره أحد أسباب الاندفاعة الحالية، هو قرار استخدام قطعات الجيش اليمني لاقتحام مأرب، المحافظة الغنية بالنفط والتي يمكّن الإستيلاء عليها من ضرب قبائل شديدة مناوئة للتنظيم ومن تركيز أكبر للموارد الاقتصادية اليمنية في أيدي الحوثيين.
الحكومة اليمنية الأسيرة دعت أول أمس كل الأطراف الموقعة على اتفاقية السلم والشراكة للاجتماع بحضور مجلسي النواب والشورى، وهو أمر لم يحصل بالطبع، وتم استبداله باجتماع مصغّر للرئيس ومستشاريه الذين يمثلون التيارات السياسية الرئيسية في البلاد (وبينهم مستشاره الممثل للحوثيين ناصر الصماد) وجلّ ما صدر عنهم هو دعوة «كل الأطراف الموقعة…. الخ» مجدداً إلى الاجتماع، في دلالة واضحة على افتقاد منصب الرئاسة لأي معنى في اليمن الجديد الذي تطيح به القوة الضاربة للحوثيين يمنة ويسرة.
تمكن الحوثيون من إنجاز تاريخي كبير، مستفيدين من الصراعات الداخلية ضمن «الدولة العميقة» اليمنية، والتي يدين جسم كبير منها بالولاء إلى الرئيس السابق علي عبد الله صالح، ومن الجوّ الإقليميّ الذي يدور لصالحهم، أولاً من خلال الدعم الإيراني المباشر، وثانياً من خلال ركاكة الدعم العربي لهادي وحكومته، وهو دعم يضم أطرافاً أفزعتها الحركات الثورية العربية أشد الفزع فأخرجت مخالبها الحديدية وفتحت خزائنها لمنع أي أمل بتجربة ديمقراطية ومدنية يمنية، وثالثاً من خلال الخطر الذي يشكّله تنظيم «القاعدة» الذي يخيف بلدان المحيط بما يجعل محاربته أولوية أكبر من محاربة نهم الحوثيين للانقلاب على النظام في اليمن.
غير أنه كلما تعاظمت سيطرة الحوثيين كلّما زادت المخاطر عليهم، فحلفهم المؤقت مع أتباع الرئيس السابق علي صالح هو حلف معرّض للانفراط بفعل العداوات القديمة التي لم تنس، كما أن السيطرة التامّة على مؤسسات الدولة، وخصوصا منها الجيش والأمن اليمنيين غير ممكنة فهي مؤسسات تركّبت على أسس مختلفة وحين تتعرّض لمحاولات الضغط الشديد فقد تنفرط باتجاه ولاءات قبلية وسياسية، إضافة الى مخاطر اتحاد القبائل ضد عدو مشترك، كما يمكن أن يحصل بين قبائل محافظتي مأرب والجوف، كما أن تعاظم شأن الحوثيين أدّى، كما في محافظة البيضاء إلى اشتداد أزر «القاعدة» وزيادة كبيرة في عدد المنتسبين إليها.
إعلان الرياض أمس عملها على تنفيذ المرحلة الثانية من مشروع السياج الحديدي على الحدود السعودية اليمنية لا يعني أن جارة اليمن الكبرى تنفض يدها من اليمن بالتأكيد ولكنّه مؤشّر رمزيّ على السلبيّة العربية تجاه ما يحصل في اليمن مقابل الديناميكية الكبيرة التي تتعامل بها إيران مع حلفائها الحوثيين، ولو سحبنا التاريخ الى أيام الحرب التي بدأت مع إعلان الجمهورية اليمنية وإرسال القاهرة سبعين ألف جندي للدفاع عنها ضد القبائل المدعومة من السعودية، لخرجنا بعدد من الدروس التاريخية الكبيرة.
اليمن أكبر من الحوثيين لكنّهم القوّة الديناميكية الكبرى حالياً، وفي ظل موازين القوى الإقليمية الحالية، والأولويات الأمريكية الغربية، فإن سيطرتهم على اليمن قد تكون ممكنة أما استمرار هذه السيطرة فأمر أصعب بكثير.