ببساطة شديدة إنما يحدث في اليمن اليوم من حالة التكالب على السلطة والوضع الاستثنائي الراهن الذي يتأرجح بين الذهاب إلى الاحتراب أو استكمال صياغة مشروع بديل يفضي إلى تجاوز هذه الحالة ليس معزولاً عن إرث الماضي، الأمر الذي يستدعي استحضار التاريخ القريب للتأكيد على ذلك.
لقـد ورثت الثورة اليمنية (سبتمبر وأكتوبر) مطلع ستينيات القرن المنصرم تركة مثقلة بالصراعات والتباين..والأمر - بطبيعة الحال- ينسحب كذلك على المشهد السياسي والعسكري الذي نتج عن حرب صيف 1994م بكل تفاصيله المحزنة والمؤسفة والذي ترك –هو الآخر – ظلالاً من السحب الداكنة في مشهد الانتقال السلمي للسلطة الذي حاولت بعض الأطراف الاتكاء عليه للخروج من النفق المظلم الذي يعيشه الوطن راهنا.
ولست أريد في هذا الحيز مجرد إعطاء تقرير حالة –وإن كانت ضرورية- لمعرفة ما يدور اليوم من صراع دموي على السلطة باعتباره نتاج تلك التداعيات ولكنني في إطار التنبيه إلى مخاطر ما سوف يقود إليه تأجيج هذه الحالة من الصراع على السلطة في إطار التأثير المباشر على المشروع الوطني بكامله، خاصة وإن دروس الماضي لا تزال ماثلة حتى اليوم بكل مراراتها وأحزانها.
إن جانباً من تلك الصراعات الدموية التي لا تزال تجر نفسها حتى الآن مردها أيضاً إلى حالة الاستقطاب الخارجي الذي تمارسه بعض الدول خاصة وإن تاريخ اليمن القديم والحديث لا يخلو من محاولات الهيمنة والسيطرة الأجنبية عبر سلسلة من التدخلات الرومانية والفارسية والحبشية والتركية.. وبالتالي فإنما يحدث اليوم في المشهد السياسي والأمني الراهن هو –باختصار– نتاج صراع طويل للتفرد بالسلطة من الداخل والهيمنة على القرار اليمني من الخارج.
وستبقى الحالة على هذا الوضع من التدهور طالما استبدت بالبعض منا شهوة السلطة وهو ما يستدعي من كافة القوى الوطنية على الساحة سرعة الالتقاء لوضع تصورات الخروج من المأزق الراهن وذلك من خلال تضييق هوة الاختلاف وتوسيع قاعدة المشترك بين كافة الأطـراف إذ بدون اللجوء الى هذا الخيار ستبقى الحالـة مـأزومـة تتنـازعـها الأهـواء وتتقاذف بها رياح التدخلات مما سيقود -بالنتيجة – الجميع إلى كارثة لا يحمد عقباها.