تتسم العلاقات السعودية اليمنية بدرجة عالية من 'الخصوصية' بسبب تاريخ البلدين الحافل بالحروب والصراعات الحدودية وأحياناً العقائدية، ولذلك اي تناول لهذه العلاقات ولو بشكل حذر مسألة تتم بحذر شديد وفي اطار متفق عليه مع الجهات العليا.
من هذه الزاوية يمكن النظر الى تصريح وزير التعليم العالي اليمني صالح باصرة الذي ادلى به امس وحذر فيه 'من ان السعودية لن تكون في مأمن اذا انهار الأمن في اليمن' ودعا الرياض الى مساعدة صنعاء 'على الخروج من ازماتها'.
هذه الصرخة اليمنية للفت انتباه الجارة الشمالية الغنية تأتي في وقت تتعاظم فيه أنشطة تنظيم 'القاعدة' في الجنوب اليمني، وخاصة هجمات عناصره المتكررة على مقار الاجهزة الامنية، ومقتل العديد من الجنود المتواجدين فيها.
اليمن يواجه ظروفاً اقتصادية صعبة للغاية، بعض اسبابها يعود الى نضوب الموارد، وتراجع العوائد النفطية، والبعض الآخر يعود الى الفساد الذي ينخر مفاصل مؤسسات الدولة، وتتورط فيه شخصيات حكومية على اعلى المستويات.
وزير التعليم اليمني يشخص العلة في بلاده في مسألة ملحة، وهي زيادة معدلات البطالة في صفوف الشباب، الأمر الذي يدفعهم للارتماء في احضان التطرف ومنظماته. وهو لم يجانب الحقيقة في تشخيصه هذا، ففي ظل شح موارد الدولة، وتراجع الاستثمارات الخارجية الى الحدود الدنيا، سيكون من الصعب تمويل خطط تنمية توفر وظائف جديدة لاستيعاب اعداد من العاطلين عن العمل.
المملكة العربية السعودية كانت السوق الاكبر لتوظيف العمالة اليمنية، ولكن بعد تصنيفها لليمن كواحدة من دول 'الضد' اي مساندة الرئيس العراقي صدام حسين اثناء غزو قواته للكويت عام 1990، اقدمت على طرد حوالي مليون عامل يمني مما ادى الى القاء عبء كبير على كاهل الحكومة اليمنية، حيث كانت مطالبة بتوفير وظائف لهؤلاء، وتعويض الدخل الكبير الذي كان يعود على الخزينة اليمنية من جراء تحويلاتهم التي وصلت الى ملياري دولار سنوياً في بعض الاعوام.
الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، وبسبب البطالة المتنامية وتفاقم الأزمة الاقتصادية في بلاده، اضطر لتقديم تنازلات كبيرة لجارته السعودية اثناء مفاوضات ترسيم الحدود بين البلدين من ضمنها عدم تجديد اتفاق الطائف بشأن منطقتي جيزان ونجران اللتين كانتا مؤجرتين للسعودية، اي انه اسقط السيادة اليمنية عنهما بشكل نهائي.
جميع هذه التنازلات جرى تقديمها على أمل عودة العمالة اليمنية الى الاسواق السعودية، ومعها المساعدات والمنح المالية السعودية للخزينة اليمنية، ولكن العمالة اليمنية لم تعد الى السعودية بالشكل المأمول، والمساعدات المالية تبخرت، وما وصل منها الى الخزينة اليمنية بات شحيحاً للغاية.
والأخطر من ذلك كله ان الاهتمام السعودي باليمن انكمش الى حدود دنيا بعد القضاء على التمرد الحوثي في صعدة، ونجاح القوات السعودية في تأمين حدودها الجنوبية مع اليمن، وبات على حكومة صنعاء مواجهة ازماتها المالية والامنية لوحدها ودون مساعدة جيرانها.
لا نعرف ما اذا كانت السلطات السعودية ستتجاوب مع صرخة التحذير اليمنية هذه، وتبادر الى انقاذ حليفها في صنعاء، ولكن ما نعرفه ان انهيار اليمن امنياً فعلاً سيلحق ضررا كبيرا في السعودية التي تملك حدوداً مع اليمن تزيد عن 1500 كيلومتر. فالهدف الاساسي لتنظيم 'القاعدة' ليس نظام الحكم في اليمني، وانما نظام الحكم في المملكة العربية السعودية. فالنظام اليمني يحتل مرتبة ثانية او ثالثة على سلم اولويات التنظيم.