من يتابع تطورات الحرب بين القوات السعودية وجماعة الحوثيين في صعدة يخرج بانطباع اولي، مفاده ان هؤلاء الحوثيين 'قوة عظمى' وليسوا مجموعة صغيرة متمردة.
فالحكومة اليمنية تخوض حربا منذ عامين تقريبا، استخدمت فيها كل ما لديها من اسلحة ثقيلة وطائرات، ومع ذلك استمر هؤلاء في الصمود والحاق خسائر كبيرة في صفوف اعدائهم.
دخول المملكة العربية السعودية بقواتها الضخمة المسلحة بشكل جيد بأحدث الطائرات والدبابات والعتاد الغربي المتطور جعل هذه الحرب تدخل مرحلة جديدة، توقع الكثير من المراقبين ان تنتهي بانتهاء التمرد الحوثي في فترة زمنية لا تتعدى بضعة اسابيع.
فالمجموعة الحوثية تخوض حاليا حربا ضد دولتين، الاولى قوة اقليمية عظمى هي المملكة العربية السعودية، والثانية حكومة يمنية قوية تملك جيشا خاض حروبا عديدة وانتصر فيها، وآخرها حرب الانفصال عام 1994.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو كيفية صمود هذه المجموعة كل هذه الاشهر، وهي شبه مقطوعة عن العالم الخارجي، بفعل الحصار المفروض على طرق امداداتها، سواء داخل اليمن او عبر السواحل البحرية القريبة من منطقة صعدة حيث تدور المعارك؟
فاللافت ان المجموعة الحوثية نجحت في فتح جبهة جديدة ضد المملكة العربية السعودية في منطقة الجوف الواقعة شرق اليمن وفي مقابل مدينة نجران، حيث توجد كثافة ديموغرافية للطائفة الاسماعيلية الشيعية ايضا، مما يعطي انطباعا بان هناك خطة محكمة لتأليب هذه الجماعة ضد حكومة الرياض، خاصة انها اقدمت على احداث عنف قبل عامين احتجاجا على اوضاعها الاقتصادية المتدهورة، وعدم وصول مشاريع التنمية بالشكل المأمول الى مناطقها.
صمود الحوثيين طوال هذه الاشهر، وفشل الحرب التي تشنها الحكومتان السعودية واليمنية ضدهم بشراسة غير معهودة ربما يعودان الى سببين رئيسيين، الى جانب اسباب اخرى ثانية:
الاول: عجز الجيشين السعودي واليمني، رغم ضخامة تسليح الجيش الاول، والخبرة القتالية الميدانية للجيش الثاني، واتضح هذا العجز في نجاح الحوثيين في نقل المعركة الى داخل الاراضي السعودية، مما دفع حكومة الرياض الى اخلاء حوالى 250 قرية حفاظاً على ارواح السكان.
الثاني: وصول امدادات عسكرية من الخارج، وخاصة من ايران الى الحوثيين، عبر اريتريا والحدود اليمنية التي تمتد حوالى ثمانمئة كيلومتر من عدن حتى صعدة على البحر الاحمر، و1500 كيلومتر تقريباً من عدن حتى الحدود العمانية على بحر العرب والمحيط الهندي بالتالي.
واذا صحت الانباء التي ترددت في الايام الاخيرة عن طلب الحكومة السعودية من دول مثل المغرب والاردن والبحرين والباكستان ارسال قوات خاصة لمساعدتها في حربها ضد الحوثيين، وهي أنباء صحيحة فيما يبدو، فلم يصدر أي نفي سعودي رسمي لها حتى الآن، فان هذا يعني ان أمد هذه الحرب قد يطول، وان المجموعة المتمردة تكتسب قوة وخبرة ربما تغري جماعات اخرى في الانضمام اليها.
فتح جبهة جديدة مع المملكة العربية السعودية، في منطقة الجوف، كمقدمة لفتح جبهات اخرى، مثلما هدد السيد عبد الملك الحوثي زعيم المتمردين، يعني ان حرب هؤلاء باتت مع حكومة الرياض بالدرجة الاولى، وبهدف توريطها اكثر في حرب استنزاف، مما يؤكد الاتهامات السعودية التي تقول ان اطرافاً خارجية، في اشارة الى ايران، هي التي تصب الزيت على نار هذه الحرب، في اطار مخطط ايراني مدروس لزعزعة استقرار المنطقة.
اطالة أمد هذه الحرب ربما ستؤدي الى تبعات خطيرة على امن المملكة العربية السعودية واستقرارها، ناهيك عن امن اليمن واستقراره، لان المنطقة الحدودية بين اليمن والسعودية ذات الطبيعة الجغرافية الجبلية الوعرة تتحول تدريجياً الى منطقة فاشلة خارج نطاق السيطرة الرسمية، الامر الذي يشجع جماعات وحركات اخرى للتسلل اليها، مثل تنظيم 'القاعدة' وفرعه في الجزيرة العربية الذي يتخذ من اليمن مقراً له.
ولعل ما هو اخطر من كل ذلك محاولة الحوثيين تحويل الحرب من حرب بين جماعة متمردة على السلطة في صنعاء، الى حرب بين اليمن والمملكة العربية السعودية، واذا نجح هذا التوجه، فان علينا ان نتوقع حالة من الفوضى، وربما الحرب الاهلية الطائفية التي قد تستمر لسنوات.