كيف لحزب المؤتمر الشعبي العام أن يقرر ما إذا كان يجب أن يكون إلى جانب الشعب أو يقف في منطقة الحسابات الخاطئة. يذكرني المؤتمر الشعبي العام بالأغنية اليمنية المشهورة «لا تشلوني ولا تطرحوني» هذه هي معضلة القرار، فكل قرار فيه مخاطرة بطريقة أو بأخرى، ومتخذ القرار معرض للعن والشتيمة إذا فعل ذلك أو إذا لم يفعل.. الأزمة اليمنية أضحت مركبة من عدة أبعاد.
البعد الأول: يتمثل بجماعة الحوثي التي جاءت تدمر ما تبقى على الثورة الأولى تحت شعار الثورة الثانية.
البعد الثاني: يتمثل بالإرهاب الذي ينمو على الساحة اليمنية بمباركة دولية.
البعد الثالث: يتمثل بالقوى السياسية التي تعيش حالة من الحقد والكراهية والثأر ضد بعضها البعض مما عكس نفسه على الوطن والشعب.
البعد الرابع: يتمثل بالبعد الإقتصادي والأمني، فالبلد أُغفل إلى الدرجة التي تسللت إليه أمراض مثل مرض فقدان المناعة، بحيث أصبح اليمني على استعداد أن يقتل ويفجر ويحمل السلاح بدلاً من حمل القلم أو أدوات الزراعة والبناء.
هذه الأبعاد الأربعة للأزمة اليمنية تجعل الوضع معقداً ومركباً، وتجعل اتخاذ القرار فيه نوعاً من المغامرة، وفضلاً عن فتح نيران جهنم على المؤتمر من الداخل والخارج، فهو يتلقى النيران بسبب عدم اتخاذه قراراً، فإذا اتخذ القرار فإن النيران ستكون أشد حرارة، لأن أحداً لن يجد حكمة في وزن الاعتبارات المتناقضة، بل سيكون الرأي إما أن المؤتمر نظام بائد يريد العودة إلى السلطة، أو أنه استسلم لحفنة من المغامرين الذين لا يعرفون مصلحة اليمن.
حال المؤتمر ليست فريدة، فهناك أحزاب مماثلة في بلدان مرت بنفس الظروف التي مرت بها اليمن، لكن هذه الأحزاب تعاملت مع الاعتبارات المتعارضة بل والمتناقضة وحافظت على الجيش والوحدة الوطنية كما هو حاصل في تونس ومصر.
أنا لا أدفع بالمؤتمر إلى التهلكة بل أدفعه إلى وضع استراتيجية واضحة تحدد مصادر التهديد وأولوياتها والوسائل الممكنة للتعامل معها من خلال التواصل مع بقية القوى السياسية في حوار مفتوح تنقله وسائل الإعلام للشعب لمعرفة من يعرقل ومن يزايد باسم الشعب ويتاجر بعرقه وأمنه ولقمة عيشه.
لابد أن تكون هذه الاستراتيجية واضحة تقوم على بناء اليمن وعناصر قوتها، ولاشك أن هناك معايير دولية متفقاً عليها في البناء، بناء اليمن لا يكون إلا في مناخ طبيعي ولا يثمر الحوار في ظل كيانين في الشمال والجنوب، بينما البلاد وجِلة ومذعورة من النشاط الحوثي الذي يستهدف المعسكرات، والقاعدة التي تستهدف الأمن، والحراك الذي يعطل الاقتصاد.
على المؤتمر أن يدرك أنه بات في المحك وعليه أن يقدم مشروعه حتى يصطف الناس معه ويتفق الجميع على البناء ومواجهة الإرهاب، ولا تدعي جماعة أنها بمفردها وجدت لمواجهة الإرهاب ذلك حق يراد به باطل.
لقد خسر المؤتمر الشعبي العام في إقناع مجلس الأمن بتغيير الصورة الذهنية التي رسمها المجلس، لم يستطع المؤتمر تقديم نفسه على أنه حزب يبحث عن المصلحة الوطنية ويبحث عن الاستقرار والتنمية.
على الرغم من علاقات المؤتمر مع أكثر من مئتي حزب حول العالم إلا أنه لم يستطع حشد الرأي العام الدولي تجاه أهمية مشاركته في الحياة السياسية وانعكاس ذلك على الاستقرار وكذلك على التنمية.. قضية تحديد مشروع واضح المعالم للمؤتمر الشعبي العام لا يقل أهمية عن أمن الوطن وأمن المنطقة، وأمن العالم، ما لم فإن المخزون الهائل لقواعد المؤتمر الشعبي العام ستتجاذبه الأطراف هنا وهناك وسيصبح قوة تخريب بدلاً عن كونه قوة بناء.
وعلى المؤتمر أن يفهم الرسائل الأخيرة للمملكة العربية السعودية ولمجلس التعاون الخليجي، حان الوقت لأن يرى المؤتمر الواقع الحقيقي لقدراته والتحديات التي تواجهه وتواجه البلاد.