مفهوم الشراكة في حد ذاته بحاجة الى إعادة تعريف، فالتشوهات التي أصابته كبيرة وأصبحت راسخة في عقول جزء مهم من سياسيي البلد، ذلك المفهوم تم الانقلاب عليه عملياً في 67م، عندما تم اقصاء الضباط المحسوبين على محافظات معينه من السلطة بل وتم قتل بعضهم، وبعدها بدأ مسار جديد للشراكة يمكن تسميته "الشراكة في الصورة".
عمد النظام الذي تأسس على انقاض ذلك الانقلاب الى تأسيس حكم يعتمد على اساساً على مشايخ القبائل وبالأخص القبائل المحيطة بصنعاء، ومنذ تلك اللحظة كان يؤتى بأسماء من مختلف مناطق اليمن –اتحدث عن الشمال- ليكونوا شركاء في الصورة ليظهر النظام وكأنه يُمثل كل المناطق.
***
جرت محاولات لكسر تلك القاعدة، وكان أهمها في عهد الشهيد إبراهيم الحمدي حيث قام بانقلاب على ذلك النظام وبدأ مسار آخر، يعتمد بشكل أساسي على بناء دولة النظام والقانون، دولة المواطنة المتساوية، وقام بثورة ضد بعض الظواهر المجتمعية الضارة، وعمد الى معالجتها عبر رفع مستوى الوعي تجاه أهمية التخلص منها، ومن ناحية أخرى الضرب بيد من حديد على من يتجاوز القانون، واذا ما تحدثنا عن قضية حمل السلاح كمثل، فقد تمكن الشهيد الحمدي من جعل ذلك السلوك غير مستحب في وعي المواطن العادي في أغلب المدن اليمنية ووصل ذلك الوعي الى بعض المديريات، وتخلى المواطنون طوعاً عن حمل السلاح على اعتباره نوع من التخلف، وقس على ذلك بقية القضايا، وعلى رأسها الفساد المالي والإداري.
***
اغتيل الحمدي واغتيل معه حلم بناء الدولة، والشراكة الوطنية والمواطنة المتساوية، وعدنا من جديد الى "الشراكة في الصورة"، واذا ما تحدثنا عن عهد الرئيس السابق صالح فيمكننا القول أنه الذي رسخ وبشكل واضح ذلك النوع من الشراكة، حيث عمد الى استمالة بعض الشخصيات من كل منطقة واعتبرهم ممثلين لأبنائها وضل يَنقُلهم من منصب الى آخر طيلة فترة حكمه، ويمكن أن نضرب مثلاً واضحاً لتلك الظاهرة وهو المرحوم الشهيد عبدالعزيز عبدالغني حيث ضل ممثلاً لتعز لعدة عقود في حكم صالح دون أن يكون له تأثير حقيقي على القرار مع ما فيه من صفات إيجابية، لكن أبناء محافظة تعز وقواها المجتمعية لم ينظروا في يوم من الأيام الى عبدالغني على اعتباره ممثلاُ حقيقياً لهم في السلطة، بل كان مجرد شريك في الصورة.
***
واصل صالح نفس الأسلوب بعد انتصاره في 94م، حيث عين جنوبين في مناصب مهمة وعلى رأس تلك المناصب كان نائب رئيس الجمهورية ووزراء للدفاع والداخلية، وكان الجميع يعلم أنهم لا حول لهم ولا قوة، وأن أصغر ضابط في الحرس الجمهوري يمكنه إهانة وزير الدفاع ورفض أوامره، لمجرد أن هذا الضابط من سنحان أو من حاشد مثلاً، وكان وزير الدفاع الجنوبي مجرد موظف اداري لا دور له ولا يمكن مقارنته بدور قائد لواء في الفرقة الأولى مدرع أو الحرس الجمهوري، وكان اختصاص الوزارة هو توفير الكدم والفول والبطانيات، والقضايا العسكرية الهامة وصفقات السلاح وإدارة الحروب الداخلية يديرها صالح وعلي محسن ولاحقاً أحمد علي كشريك ثالث.
***
وحتى لا استغرق في الماضي ولكي أسقط الموضوع على الحاضر فقد أثارني مشهد رئاسة الأخ محمد القيرعي للجنة الثورية –التابعة للحوثيين- في أحد اجتماعاتها، وبما أن تلك اللجنة هي السلطة العليا الحاكمة للشمال اليوم فيفترض أن القيرعي في ذلك اليوم كان رئيس مجلس الرئاسة، أو قائد الثورة، لكني أعرف أنه بمجرد أن تم التقاط الصورة، قام حمران العيون بصياغة ما يريدون وتقدموا به لإقراره، وبعد مغادرة القيرعي لذلك الدور، ونزوله من خشبة المسرح، عاد الى واقعه الحقيقي المر، وملخص ذلك الواقع أنه لا يستطيع انصاف حتى نفسه من نقطة عسكرية أو من مسلح من أنصار الله داخل دار الرئاسة أو خارجها، وأن الهدف من احضاره الى اللجنة هو التقاط الصورة التلفزيونية فقط ومن ثم هناك قرارات جاهزة يتم طرحها لكي تقر، واهم القرارات لا تطرح على اللجنة من الأصل، بل تتخذ في صعدة ويتم تطبيقها على الميدان مباشرة دون حتى علم للجنة بها، والقرارات التي تخرج من اللجنة خاصة بالتداول في المواقع والصحف والفيس بوك، لأنها قرارات ثورجية لا يمكن تطبيقها على الواقع، أصدرها مجموعة من البسطاء الذين ساقتهم الأقدار الى تلك اللجنة.
***
لا أتحدث عن القيرعي بمفرده، فأغلب أعضاء اللجنة وبالأخص الذين لا ينتمون لأنصار الله لا تأثير لهم، وهم يعرفون ذلك حق المعرفة، ولا يتمكنون من انصاف أي شخص يلجأ لهم على اعتبارهم قادة الثورة، فلا علياء الشعبي بإمكانها انصاف أحد، ولا ابتسام الحمدي ولا طلال عقلان ولا عبده بشر ولا نايف القانص ولا صالح صايل ولا بقية القائمة، وبالتأكيد أنهم تعرضوا للكثير من المواقف المحرجة عندما تُعرض عليهم مظالم معينة.
أنا لا أريد التقليل من شأن أعضاء اللجنة الثورية من خارج حركة انصار الله الحوثيين لكن الواقع يقول أنهم شركاء في الصورة فقط، مثل ما كان غيرهم شركاء في الصورة فقط خلال 33 عاماً من حكم الرئيس السابق صالح، فيما شركائه الحقيقيون هم مشايخ القبائل وعلماء الدين، والشركاء الحقيقيون غالباً ليسوا ضمن الصورة لكنهم حاضرون وبقوة عند تقسيم الكعكة، ويمكن أن أقول أن ذلك النوع من الشركة أيام الرئيس السابق صالح كان يمنح صاحبه بعض الإمكانات والسلطات التي تمكنه –على الأقل- من انصاف نفسه واقاربه ومعارفه ومن يلجؤون اليه، ولا يمكن بأي حال من الأحوال مقارنة الشراكة أيام صالح –بكل مساوئها- والشراكة اليوم، ولكي نعرف الفرق يمكننا استعراض تأثير بعض أعضاء اللجنة الثورية الذين استعرضت أسمائهم اعلى هذا وتأثير الشهيد عبدالعزيز عبدالغني وهادي وحسين عرب ومحمد ناصر أحمد عندما كانوا ضمن الشراكة في الصورة في عهد صالح، ومع ذلك فقد فشل ذلك النوع من الشراكة فشلاً ذريعاً في احتواء تطلعات مختلف المناطق في اليمن في شراكة حقيقية في السلطة والثروة، وأدى الى عدة ثورات وتحركات أنتجت في النهاية القضية الجنوبية وقضية صعدة.
***
وكخاتمة يمكنني القول وبوضوح تام أن اليمن لن يخرج من أزمته الحالية والتي قد تعصف بوحدته وتماسك نسيجه الاجتماعي الا بـ "شراكة حقيقية" لا "شراكة في الصورة"، ولن يطول الزمن حتى يكتشف أنصار الله ان ذلك النوع من الشراكة قد أكل الدهر عليه وشرب، وأن الإصرار عليه معناه إعطاء شرعية لنظام الأقاليم ولطموحات بعض مناطق اليمن في فك الارتباط، فهل سَيُصِر أنصار الله على استمرار "الشراكة في الصورة" أم سيقبلون بـ "شراكة حقيقية"؟، الإجابة عن ذلك السؤال ستحدد مصير اليمن.