تتجه تطورات المشهد اليمني إلى ماهو أبعد وأخطر من حالة التصدع في بنية الدولة والصعود المفاجئ لجماعة الحوثي وسيطرة مقاتليها على العاصمة صنعاء والعديد من المحافظات الشمالية وانتقال الرئيس عبدربه منصور هادي عشية الذكرى الثالثة لانتخابه رئيساً للبلاد إلى الجنوب بعد إفلاته من الحصار الذي فرضته عليه تلك الجماعة والعوامل التي تقف وراء الخلاف بين هادي وجماعة الحوثي حيث إن ما تشهده اليمن من أحداث متسارعة يكشف عن أن البلاد تسير فعلياً نحو التفكك والتشظي إلى مناطق ودويلات صغيرة بعضها في الشمال وأخرى في الجنوب بعد أن ترك الصراع المحتدم على السلطة مفاعيله على البنية الاجتماعية واللحمة الوطنية وقواعد التعايش بين مكونات المجتمع اليمني.
وبالاستنتاج فإننا الذين لا نتحدث هنا عن الأقاليم والفيدرالية والدولة الاتحادية التي جرى التوافق حولها في مؤتمر الحوار الوطني الذي عقد لمدة عشرة أشهر واختتم مطلع العام الماضي وإنما عن عملية تقسيم بدأت بوادرها في البروز من خلال وسائل الإعلام ومواقع التواصل والتي أصبحت تفيض بالشحن الطائفي والمناطقي والمذهبي الذي تتراجع فيه الهوية الوطنية لصالح هويات ثانوية في إشارة على أن الصراع بات يتخذ منحى طائفاً خطيراً لم يكن مألوفاً سابقاً في اليمن.
ومن البديهي في ظل أزمة بحجم الأزمة اليمنية ذات الأبعاد والمسببات والأطراف المتشابكة أن تتعرض البنية المجتمعية لمثل هذا الاهتزاز العنيف ولاسيما وأن هذه البنية لم تكن محصنة كما يجب بل انها من بدت في هذه الأزمة سهلة الاختراق وذات قابلية للتأثير فيها وإقحامها في غياهب الصراعات الداخلية ومن الطبيعي في بنية كهذه يلفها الطابع العصبوي أن تظهر العديد من التكتلات الخيالية أو الخالية من أية فكرة وطنية أن تتسع دائرة الضياع وتختفي الحقائق أمام ذرائع الأوهام وأن يغيب المنطق السوي الذي يفتح أعين الجميع على مخاطر اللحظة التي صار فيها اليمن في مرمى استهداف بعض القوى الراغبة بتفويضه وتفتيته وتحويله إلى ساحة للفوضى كجزء من مشروع(شيطنة) المنطقة العربية.
وبعيداً عن تعقيدات المشهد اليمني والذي يبدو اليوم مفتوحاً على كافة الاحتمالات فإن ما يغدو أكثر وضوحاً هو تلازم مايحدث في اليمن مع تلك الأحداث الجارية في بعض البلدان العربية وللدلالة على ذلك نجد أنه وبعد انقسام العراق بين بغداد واربيل، وانقسام ليبيا بين طرابلس وطبرق، فقد جاء الدور على اليمن بالانقسام بين صنعاء وعدن، وهو الانقسام الذي أخذنا نسمع معه عن واقع جديد ويمن جديد ستظهر ملامحه عما قريب على أن منطق البداهة يقول إن أخطاء اليمنيين هي الشيء الوحيد الذي يمكن له أن يسرع من تقسيم اليمن تماماً كما جاء على صفحات(النيويورك تايمز) التي أشارت قبل عام من الآن إلى أن التركيبة القبلية والميليشياوية في اليمن كما في ليبيا لا تحتاج الى أكثر من عملية من هذا النوع لتسريع عملية تفكيكهما كمقدمة لمسار سوف يطال لا محالة دولاً عربية أخرى كما توقعت تلك الصحيفة.
ماجرى في الأسابيع الأخيرة يشير بوضوح إلى أن مشروع تفخيخ اليمن مرشح للتفاقم بعد أن أصبح هذا البلد جزءاً من مخطط لعبة الصراع بين قوى كبرى تحاول اقتسام كعكة المنطقة وضمان نفوذها فيها.. والتوقف عند بعض التفاصيل لا يغني حتما عن استشراف الدور السلبي للمكونات السياسية المحلية في هذه اللعبة والتي أسهمت بمواقفها الأنانية وأهدافها الباطنية في إخراج الحل من أيادي اليمنيين وتسليمه للخارج على الرغم من كل التحذيرات من مخاطر هذا الجنوح المدمر على واقع الاستقرار في اليمن.
مع سيطرة الحوثيين على صنعاء والمحافظات الشمالية المحيطة بها وانتقال الرئيس عبدربه منصور هادي إلى الجنوب تدخل الأزمة اليمنية منعطفاً شديد التعرجات تلتئم فيه كل المصائب أفدحها مصيبة الحرب أو الانفصال.