عند ممارسة أحدنا للسياسة غالباً مايجد نفسه منخرطاً مع الجهة الأقرب إليه، ولكي يصبح فاعلاً فيها يجب أن يدافع عنها ويمتدح كل تصرفاتها، فلا مكان في المكونات السياسية اليمنية والعربية عموماً للموضوعية، وهذه هي الصعوبة التي واجهتني تحديداً في العمل من خلال المكونات السياسية، لأني أضع نفسي في اختبار عند ممارسة الجهة التي أنتمي اليها لأي خطأ أو تجاوز بين السكوت وبين النقد، وكنت أحتار وأقول إن نقدي قد يذهب بطموحي السياسي أدراج الرياح، لكن سكوتي يؤرقني ويجعلني أقارن نفسي بأسوأ الأشخاص الذين انتقدت ممارساتهم في يوم من الأيام وأسأل نفسي: إذاً ما الفرق بيني وبينهم؟.
***
وبعد طول تفكير وصراع طويل مع النفس الأمارة بالسوء وجدت معادلة خاصة أراحتني كثيراً، وخلاصتها أن لا أسكت عن الأخطاء المتعلقة بالحقوق والحريات، سواء الشخصية أو السياسية أو العامة، إضافة إلى كل ما يتعارض مع حلمنا جميعاً في دولة مدنية ونظام وقانون ومواطنة متساوية وعدالة، حتى وإن قلل ذلك من حظوظي السياسية، لكنه سيزيد من توافقي مع نفسي ويمنحني طمأنينة طوال الوقت، وذلك ما ينقص أغلب السياسيين أو الصحفيين وغيرهم الذين يبلعون ألسنتهم عندما تَرتَكب التيارات السياسية القريبون منها أخطاء وانتهاكات سبق وأن هاجموا أطرافاً أخرى بسببها.
ووجدت أن كلفة النقد أقل بكثير من كلفة الصمت، على الأقل عندي بشكل شخصي، وتولد لدي إيمان عميق أني سأصل إلى طموحي وأنا مرفوع الرأس ومطمئن النفس، ولا أعني بطموحي أن أتولى أحد المناصب، بل في التغيير من خلال ذلك المنصب، وإذا كان الثمن للمنصب هو السكوت، لن نسكت، ويمكن لنا أن نحقق طموحاتنا في التغيير من خارج المؤسسات، مع أن التغيير لن يكون بنفس الوتيرة والسرعة إذا كان الشخص الساعي إليه على رأس تلك المؤسسة، ومن سيبيع سكوته ليصل إلى المنصب لن يساهم في التغيير إلى الأفضل ولن يسعى إلى تحقيق حلمه، فكما برر لنفسه السكوت وهو خارج السلطة سيبرر لها أكثر بعد أن يستمتع ببهرجتها وأضوائها ووجاهتها ودخله منها.
albkyty@gmail.com