يصعب وصف ما حدث لنا نحن اليمنيين من جرّاء عاصفة النيران الشقيقة أو استرجاع اللحظات الأولى للعدوان "الأخوي" الذي وصل إلى أكثر من مكان في هذا البلد الذي سموه بالسعيد مع أنه لم يعرف السعادة يوماً واحداً، ليس لموقعه الجغرافي وأطلاله على بحار ثلاثة: الأحمر، والعربي، والمحيط الهندي، فحسب وإنما للخلافات التي لم تتوقف بين أبنائه على من تكون له السيطرة منهم وقيادة دفة الحكم في البلاد، حدث هذا قديماً ويحدث الآن وكأن الحكم هو كل شيء في حياة الشعوب ولا هدف لأبنائها سوى الاقتتال طمعاً في الاستئثار به والإمساك بمقاليده، وهي في أحايين كثيرة مقاليد الفقر والمعضلات التي تنشأ عن التنافس والتطلع إلى السلطة خارج الضوابط القانونية والأخلاقية، وبعيداً عن الشعب واختياراته والاحتكام إليه والوصول إلى الحكم عن طريق الانتخابات، فلا مكان في القرن الواحد والعشرين للغلبة، سواء كانت غلبة القبيلة أو الطائفة أو الحزب أو غلبة تابعة من الداخل ومحروسة من الخارج.
وما حدث في مساء الخميس 26 مارس 2015م من هجوم جوي مباغت على العاصمة صنعاء وبعض المناطق الشمالية والجنوبية من البلاد لا يمكن تفسيرة أو تصوره إلاّ على أنه "بروفة" أو مناورة عربية إسلامية لمباغتة العدو الصهيوني وشل حركته العدوانية وكسر غطرسته الشنيعة التي يمارسها على الداخل الفلسطيني وعلى الخارج العربي. وأن عاصفة حازمة جازمة يقوم بها العرب وأشقاؤهم من الأقطار العربية على نمط ما حدث لهذا القطر الشقيق وهو ما ينتظره العالم من العرب والمسلمين الذين يتلقون الصفعات المتوالية من الكيان الصهيوني ويفاجئهم صباح مساء يفعله ويمارسه من تحديات دون أن يفعلوا في مواجهته شيئاً يُذكر. والنيران الشقيقة يمكن لها أن تغيّر اسمها وتتم بنجاح كبير في أرض فلسطين المحتلة وتشكل مجداً بطولياً تاريخياً عربياً للدول التي قامت بالتدريب في الأجواء اليمنية، علماً بأن مساحة الأجواء في فلسطين أقل فضلاً عن خلوها من سلاسل الجبال الشاهقة التي زرعها الله في اليمن حتى تكاد تكون بعدد السكان.
لقد حدث ما حدث يا أشقاءنا، ولم تقصِّر نيرانكم الشقيقة في تدمير بعض المنشآت والمنازل الشعبية وفي إحراق إجساد بعض المواطنين البسطاء، ولكنها لن تحرق الصلة التاريخية التي تربط بين بلدنا وبلدانكم ، بين مواطنينا ومواطنيكم، ولن تحرق التاريخ الذي يجمعنا منذ آلاف السنين، كما لن يسيء إلى الوشائج الأخوية التي سوف تزداد قوة ورسوخاً، فالعلاقة الثابتة والصامدة هي تلك التي تقوم بين الشعوب لا بين الحكام والقادة الذين هم عرضة للتغيير والتبديل. ويصح القول في هذا السياق أن هذه ليست المرة الأولى التي يتخذ فيها أشقاؤنا مثل هذا الموقف الظالم، فقد سبقت لهم معنا مواقف كثيرة مماثلة، واشتوت بلادنا لقترة طويلة بنيرانهم الشقيقة الكثيفة. ولكن النسيان أو التأسي سجية يمانية أصيلة، وإن كانت هذه السجية لا تطبّق -يا للأسف- إلاّ مع الخارج، أما الداخل فإن الأضغان لا تُنسى ولا تُتناسى.
خوفي الحقيقي لم يعد على من تبقى من جيلنا ولا على الجيل التالي لجيلنا وإنما على الأجيال الجديدة هذه التي عشنا نحلم بأنها ستجني ثمار ما قدمته الأجيال التي سبقتنا من تضحيات وما بذلته من جهود وتحملته من عناء في سبيل تصحيح الفهم المغلوط عند عامة الناس عن الحرية و"الدستور" خوفي أن تعيد الأجيال القادمة الأخطاء نفسها التي اقترفها من سبقوهم ويسيرون على الطريق المزروع بالخلافات ، وقد يرى بعض القراء أن هذه الإشارة خارجة عن السياق ومقحمة على موضوع النيران الشقيقة. بينما هي في قلب الموضوع فقد ذهبت بنا المصالح المؤقتة والصراعات الثانوية التافهة إلى حد تجاهل أقرب المحطات من تاريخنا الحديث، ووضعنا في دوائر ضيقة من محبة "الأنا" وعبادة الذات إلى أن تراكمت الأخطاء وفقدنا بوصلة الاعتدال والتسامح فكان لابد أن يحدث ما حدث.