كتبتُ في هذا الحيّز مراراً ـ وغيري كثيرون ـ ندعو إلى تغليب منطق العقل والحكمة والحوار بين كافة القوى السياسية من أجل تجنيب الوطن شبح الكارثة التي يعيش اليوم بعض تفاصيلها المؤلمة.
ومع الأسف الشديد فقد ذهبت تلك الدعوات أدراج الرياح, حيث أن الأطراف المعنية تحكّمت فيها نوازع الإقصاء والهيمنة ومحاولة الاستئثار بالسلطة، وإغلاق كل نوافذ الأمل في إمكانية الخروج بحلول سلمية بمجمل مشكلات المجتمع السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية التي عاشها اليمن ـ ولايزال ـ وبخاصه إثر التوافق على صيغة مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، واتفاق السلم والشراكة الذي تلاشى قبل أن يجف حبره.
ومن يُتابع اليوم تراجيديا هذه الحرب المؤسفة يستغرب كيف أن الحكمة غابت عن هذه القوى وهي تحتكم إلى لغة القوة ومنطق السلاح، وتدفع في اتجاه إضاعة ما تبقى من فرص أمام اليمنيين لتجاوز الخط الأخير قبل أن تُحرق نيران هذه الحرب الجميع دون استثناء.
وفي هذا الإطار فإن تدخّل الخارج لن يأتي بالحلول المعلّبة داخل الصواريخ والقاذفات التي تتساقط على رؤوس اليمنيين صباح مساء, خاصة وأن هذا الشعب هو أحوج ما يكون إلى المساعدات وإقامة مشاريع البنية الأساسية عوضاً عن تخريب الموجود منها وإنفاق هذه الأموال الباهظة في تنمية اليمن.
إن من يُلقي نظرة عابرة إلى طبيعة التطوّرات الميدانية الراهنة سوف يُصاب بالذُعر لجهة انعكاساتها السلبية وإصرار الجميع على صمّ أذنيه عن سماع صوت العقل والعودة إلى الحلول السلمية، وأطلق لنفسه زمام الهرولة نحو خيارات العنف المريرة، لا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن تصنع نصراً أو تقتل خصماً.
ومن هنا فإن الدعوة مجدّداً إلى تحكيم العقل ـ حتى في هذه اللحظات التي تلعلع فيها أصوات الرصاص ـ مطلوبة وملحّة وتزداد ,لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أشلاء الوطن.. لعلّ وعسى.